السؤال
قال الله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}، وأيضا قال: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون }
وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه ثم طرح في النار. [صحيح مسلم].
كل من يرتكب معصية، ويصر على ارتكابها، حتى بعد النصيحة والتذكرة، يتوب، ثم يرجع إلى المعصية، ويصر على ارتكابها جزاؤه النار هذا قول الله ورسوله.
سؤالي هل تنطبق عليه آية {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}. وجزاكم الله خير،ا وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية: قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {الزمر:53}. تنطبق على كل مشرك، ومسرف، وعاص، وظالم لنفسه، ولغيره، ومتعد لحدود الله؛ فإن الله تعالى يحذر عباده من القنوط من رحمته، ويبشرهم بغفران ذنوبهم جميعا إذا رجعوا إلى الله تعالى، وتابوا من ذنوبهم .
قال السعدي في تفسيره: يخبر تعالى عباده المسرفين بسعة كرمه، ويحثهم على الإنابة قبل أن لا يمكنهم ذلك فقال: {قل} يا أيها الرسول، ومن قام مقامه من الدعاة لدين الله، مخبرا للعباد عن ربهم: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} باتباع ما تدعوهم إليه أنفسهم من الذنوب، والسعي في مساخط علام الغيوب. {لا تقنطوا من رحمة الله} أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا، وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها، ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار، والصغار. {إنه هو الغفور الرحيم} أي: وصفه المغفرة، والرحمة، وصفان لازمان ذاتيان، لا تنفك ذاته عنهما، ولم تزل آثارهما سارية في الوجود، مالئة للموجود. انتهى
ومثل هذه الآية قول الله -تبارك وتعالى-: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما {الفرقان:68: 70}.
قال أهل التفسير: يبدل الله سيئاتهم حسنات؛ بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة، ويثبت مكانها لواحق طاعتهم، أو يبدل ملكة المعصية في النفس بملكة الطاعة. اهـ انظر تفسير البيضاوي وغيره.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين : 66163، 438589.
والله أعلم.