السؤال
أمي عمرها 70 عاما، لكنها ما زالت قادرة على خدمة نفسها، ولديها مال يكفي لإحضار خادمة، ولدي أخت تمكث معها أربعة أيام أسبوعيا، وأنا فتاة عمري 35 عاما، والدي متوفى، وليس لدي رجل ينفق علي، ولم أتزوج، وأكره الزواج من الرجال من بلدي، بسبب المشاكل الفكرية التي يعاني منها الرجال في بلدي، والعادات، والتقاليد السيئة، بالإضافة إلى كونهم يطالبونني بالمشاركة في تأسيس مسكن الزوجية بمال كثير، وليس لدي أي مال سوى قطعة أرض، سعرها تقريبا مساوي للمبلغ المفروض على المرأة، إذا أرادت الزواج، ولو بعتها كي يصبح لدي مال أنفق منه على الخطاب، أتوقع أن أخسر المال، نظرا لسوء الأحوال الاقتصادية في بلدي، وتفشل محاولات الزواج؛ لأني غالبا أرفض الظلم الذي يمارسه مجتمعي على المرأة، وأنفر من أخلاق، وأفكار رجال بلدي، أنا لا أقابل خطابا، ولا أجد عملا جيدا، وليس معي مال إلا قطعة الأرض،
ولا أشعر بالأمان، وأخاف من المستقبل، وهذه الأمور تدخلني في حزن، وعجز، وفتنة، الشيء الذي يسعدني، ويجعلني أطمئن لمستقبلي -بعد رحمة الله- هو دراستي الأكاديمية، أو عملي بالخارج براتب جيد، لكني بحاجة للإقامة بعيدا عن أمي، هي موافقة على سفري، لكني أشفق عليها من أن تشعر بالوحدة بعض الأيام التي لا تكون أختي معها، وأخشى أن أظل معها، فأعرض نفسي لبلاء، لا أطيقه، وأخشى أن أتركها، فيفوتني برها، أرجو توضيح الحكم الشرعي لكلا الأمرين -بعيدا عن حكم سفر المرأة، لأني أعرفه، ولا أنوي فعل محرم- وأيها أحب إلى الله؟
جزاكم الله خيرا، وبارك فيكم، ونفع بكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كانت أمك راضية بإقامتك بعيدا عنها، ولم يكن في ذلك تضييع لها؛ فلا تحرم عليك الإقامة بعيدا عنها، وفي جواز إقامة البنت الرشيدة وحدها بعيدا عن أبويها عند أمن الفتنة؛ خلاف بين أهل العلم.
جاء في الدر المختار وحاشية ابن عابدين : ... إذا دخلت في السن، واجتمع لها رأي، فتسكن حيث أحبت، حيث لا خوف عليها. انتهى.
وفي روضة الطالبين للنووي –رحمه الله- : وأما الأنثى إذا بلغت، فإن كانت مزوجة، فهي عند زوجها، وإلا فإن كانت بكرا، فعند أبويها، أو أحدهما إن افترقا، وتختار من شاءت منهما، وهل تجبر على ذلك؟ وجهان: أحدهما: نعم، وليس لها الاستقلال، والثاني: لا، بل لها السكنى حيث شاءت، لكن يكره لها مفارقتهما............. وهذا إذا لم تكن تهمة، ولم تذكر بريبة، فإن كان شيء من ذلك، فللأب، والجد، ومن يلي تزويجها من العصبات، منعها من الانفراد، ثم المحرم منهم، يضمها إلى نفسه، إن رأى ذلك. انتهى.
وقال ابن قدامة- رحمه الله- في المغني: فأما البالغ الرشيد، فلا حضانة عليه، وإليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه، فإن كان رجلا، فله الانفراد بنفسه، لاستغنائه عنهما، ويستحب أن لا ينفرد عنهما، ولا يقطع بره عنهما، وإن كانت جارية، لم يكن لها الانفراد، ولأبيها منعها منه؛ لأنه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها. انتهى.
فهذا من حيث الجواز وعدمه؛ وأما من حيث الأفضل، والأحب إلى الله تعالى؛ فالبقاء مع الأم، والاجتهاد في برها؛ من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله تعالى، وأسرعها ثوابا، وأرجاها، وبركة في الرزق، والعمر، ففي الأدب المفرد للبخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- : .. إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة.
واعلمي أن عزوفك عن الزواج للأسباب التي ذكرتيها؛ غير سائغ؛ فالزواج مندوب إليه في الأصل، ويشتمل على مصالح عظيمة، وراجعي الفتوى: 260215
وبخصوص مسألة الزواج، وموقفك من الخطاب؛ ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.
والله أعلم.