هل السعي في طلب المال لقضاء الحوائج يعارض تعلق القلب بالله؟

0 25

السؤال

هل السعي الشديد في طلب المال بنية قضاء حوائج الساعي، وتوجه القلب لذلك، يعارض تعلق القلب بالله، وأنه هو الذي يقضي الحاجات؟ أو لا يعارض ذلك؟
وكيف نوازن بينهما التوازن الذي يرضاه الله تعالى؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فالسعي على طلب المعاش، والاجتهاد في ابتغاء الرزق، مأمور به شرعا، قال الله: هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه {الملك:15}.

والقاعدة أن على المسلم أن يأخذ بالأسباب، وألا يتوكل عليها، فإن ترك الأخذ بالأسباب قدح في العقل، والاعتماد على الأسباب قدح في التوحيد.

فالأخذ بالأسباب هو وظيفة الجوارح، فيأخذ المسلم بأسباب الكسب، ويسعى على طلب المعاش سعيا لا يخرجه من واجب، ولا يدخله في حرام. ثم هو مع ذلك كله معلق القلب بالله، عالم أنه لا يأتيه إلا ما كتبه الله له.

وبهذا يحصل الجمع بين الأمرين، فجوارحه في التسبب والكسب، وقلبه معلق بالله -تعالى- الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو.

قال ابن القيم في شرح قول صاحب المنازل: وعلى اليقين أن يداخله سبب: هو الطمأنينة إلى من بيده الأسباب كلها، فمتى داخل يقينه ركون إلى سبب وتعلق به، واطمأن إليه قدح ذلك في يقينه.

وليس المراد قطع الأسباب عن أن تكون أسبابا، والإعراض عنها، فإن هذا زندقة وكفر ومحال، فإن الرسول سبب في حصول الهداية والإيمان، والأعمال الصالحة سبب لحصول النجاة ودخول الجنة، والكفر سبب لدخول النار، والأسباب المشاهدة أسباب لمسبباتها.

ولكن الذي يريد أن يحذر منه إضافة يقينه إلى سبب غير الله، ولا يتعلق بالأسباب بل يفنى بالمسبب عنها. انتهى.

والذي ننبه عليه أن هذه القاعدة وهي قاعدة الأخذ بالأسباب، تعم جميع شؤون العبد، فهو كما يأخذ بأسباب جلب الرزق متوكلا على الله، فإنه كذلك يعمل الصالحات معتمدا على الله متوكلا عليه في قبولها، وأن تفضي إلى المأمول منها وهو دخول الجنة. وكذا في جميع الأسباب والمسببات.

ثم إن السعي لطلب الرزق ينبغي ألا يجعله الشخص أكبر الهم ومبلغ العلم، فلا يكون ذلك السعي الشديد الذي يعطل عن السعي للآخرة، بل يأخذ من الدنيا بلاغه، ويجعل الآخرة أكبر همه ومبلغ علمه؛ فإن الله أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالإعراض عمن لم يرد إلا الحياة الدنيا، فقال: فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا * ذلك مبلغهم من العلم {النجم:29-30}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات