السؤال
زوجي كان يعمل في الخارج، ولم يكن مستقرا في العمل. وقد طلبت منه والدته مبلغا كبيرا من المال لشراء عيادة لأخيه الطبيب، فاعتذر لها وأخبرها ساعتها أن الشركة طلبت منه الرحيل، ولكنها أصرت؛ فأعطاها على الرغم من علمها بظروفه، علما بأن لأخيه هنا عملا حكوميا وخاصا. ولكي يوافق زوجي ساعتها أخبرته بأنه دين عليها، وقد مضى على ذلك خمس سنوات.
وبالفعل رجع زوجي وليس له عمل، ونعيش على مدخرات السفر، ولنا أطفال في مراحل التعليم، ولم تسدد أمه سوى النصف أو أقل.
وبسبب الظروف الحالية علمت بأنها لن تسدد، والمشكلة أنها لا تشعر أن في ذلك حرجا؛ لأن زوجي لم يطالبها ولن يطالبها على الرغم من كل ظروفه، وأشعر بالضيق الشديد؛ لأنه مال أولادي، وهم في حاجة إليه؛ لتعليمهم ولباقي مصاريفهم.
والمشكلة أن والدي زوجي منذ تزوجته وماله بالنسبة إليهما مباح، فهما يعرفان كل شيء عنه، وطول سفره أخذوا منه الكثير لإخوته ولم يطالبهما. أشعر بالضيق الشديد منهما؛ لأنه الوحيد الذي من دون عمل هنا، وله أولاد صغار.
فهل في هذا إثم؟
وماذا أفعل في إحساسي الدائم بالغضب منهما، وعدم صفاء نفسي وعيشتي مع زوجي، أو معهما؛ لأننا في نفس البيت؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكننا الجزم بإثم والدة زوجك؛ لأن هذا يتطلب معرفة تفاصيل أكثر مما ذكر في السؤال، ولقول السائلة: (بسبب الظروف الحالية علمت بأنها لن تسدد).
ولكن نقول بصفة عامة: إنه يجوز للولد أن يطالب والديه بما له عليهما من دين، وليس ذلك من العقوق عند جمهور الفقهاء. خلافا للحنابلة، ولكن إن صبر الولد واحتسب ولم يطالب بدينه عليهما، فهذا من جملة البر المستحب، ومن الأعمال الفاضلة التي يؤجر عليه الولد أجرا عظيما.
وراجعي في ذلك الفتويين: 65184، 111501.
ومن ناحية أخرى، وبعيدا عن الاستدانة، فإننا ننبه على أن الوالدين إنما يجوز لهما الأخذ من مال الولد، بشرطين - كما قال ابن قدامة في المغني -:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن، ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر. نص عليه أحمد، في رواية إسماعيل بن سعيد، وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى. اهـ.
وأما بالنسبة للأخت السائلة، فليس لها أن تعترض على ما فعله زوجها، ما دام ينفق عليها وعلى أولادها بالمعروف، بل عليها أن تواسيه، وتذكره بأجر ما فعل حتى يحتسب. ولها أن تناصحه بما تراه مناسبا فيما يستقبل من أمره.
وأما إحساسها الدائم بالغضب من أصهارها فلن يفيدها شيئا، فما حدث وفات ينبغي أن يتذكر المرء أنه جرى بقدر الله وليس منه مهرب، فلتكثري من الاستعاذة بالله -تعالى- من الهم والحزن، ومن وسوسة الصدر، وشتات الأمر.
فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال. رواه البخاري ومسلم.
وروي من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر. رواه الترمذي.
والله أعلم.