السؤال
هل الأفضل: كفالة حافظ القرآن لمدة عام كامل؟ أم بئر سطحية، وسعرهما متقارب؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مسألة المفاضلة بين الأعمال الصالحة تتجاذبها كثير من المعاني المقصودة شرعا، والتي قد تتحقق في بعض الأعمال دون بعض، فمن المعاني المقصودة في مسألتنا هذه النظر إلى مدى حاجة الناس إلى حافظ القرآن وإلى حفر بئر، ومدى استمرار النفع.
قال ابن القيم في كتابه الروح: أفضل الصدقة ما صادفت حاجة من المتصدق عليه، وكانت دائمة مستمرة، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم: أفضل الصدقة سقي الماء ـ وهذا في موضع يقل فيه الماء، ويكثر فيه العطش؛ وإلا فسقي الماء على الأنهار والقني لا يكون أفضل من إطعام الطعام عند الحاجة. اهـ.
وقد نقل ابن مفلح في الفروع قال: سأل حرب، أحمد: أيحج نفلا؟ أم يصل قرابته؟ قال: إن كانوا محتاجين يصلهم أحب إلي. اهـ.
ومن المعاني المرجحة هنا أيضا: أن ما كان من الأعمال نفعه متعد فهو أفضل مما نفعه قاصر، وقد نص أهل العلم على هذه القاعدة.
قال الزركشي في المنثور في القواعد من قوله: العمل المتعدي أفضل من القاصر ـ ولهذا قال الأستاذ أبو إسحاق، وإمام الحرمين، وأبوه، وغيرهم: بتفضيل فرض الكفاية على فرض العين، لأنه أسقط الحرج عن الأمة. انتهى.
ومثله السيوطي في الأشباه والنظائر.
ومن المعاني المرجحة كذلك: إذا ترتب على الصدقة جلب مصلحة لدين الله تعالى، فإنها تقدم على ما لم تكن كذلك، ففي الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية: العطاء إنما هو بحسب مصلحة دين الله، فكلما كان لله أطوع، ولدين الله أنفع، كان العطاء فيه أولى، وعطاء محتاج إليه في إقامة الدين، وقمع أعدائه، وإظهاره، وإعلائه أعظم من إعطاء من لا يكون كذلك، وإن كان الثاني أحوج. اهـ.
فكما ترى -أخي السائل- لا يمكن المفاضلة المطلقة بين كفالة حافظ القرآن وبين حفر بئر، ولكن تكون المفاضلة نسبية، فنقول -مثلا- في هذا المكان الأفضل كفالة الحافظ، وفي مكان آخر نقول: الأفضل حفر البئر، وذلك بحسب تحقق المعاني المرجحة التي قصدها الشارع في أحد العملين.
والله أعلم.