السؤال
قرأت أن الإمام النووي قال: إن قبول توبة المؤمن ظني، في نفس الوقت رأيت الإمام النووي يذكر حديث، إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار في شرحه لصحيح مسلم، ويذكر في رياض الصالحين، تقبل توبة العبد ما لم يغرغر. أريد أن أعرف ما تفسير النووي لحديث، إن الله يبسط يده بالليل، وكذلك حديث تقبل توبة العبد ما لم يغرغر، ما تفسير النووي، وكل من يقول بأن قبول توبة المؤمن ظنية ما تفسيره لهذه الأحاديث؟ هل تفسيره بأن الأحاديث تتضمن توبة غير المؤمن،
أم إن تفسير الأحاديث غير ذلك؟ أريد تفسير الإمام النووي خصوصا، وتفسير من يرى أن قبول التوبة ظني لهذه الأحاديث الثلاثة (تقبل توبة العبد ما لم يغرغر -إن الله يبسط يده بالليل-إن من قبل المغرب بابا عرضه سبعون عاما للتوبة لا يغلق).
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على أن الله تعالى يقبل توبة التائبين، وذهب جمع من الفقهاء إلى أن قبول توبتهم ظنية لا قطعية، وقد استدلوا على أنها ظنية لا قطعية بأن بعض النصوص الشرعية في قبول التوبة جاءت مقيدة بمشيئة الله تعالى، كما في قول الله تعالى: ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم. {سورة التوبة:15}، وكما في قوله سبحانه وتعالى: ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم. {سورة التوبة:27}، فيرون أن هذا التقييد بالمشيئة مقيد لتلك النصوص العامة الدالة على قبول توبة التائبين.
جاء في شرح كفاية الطالب الرباني: وتوبة الكافر مقبولة قطعا إجماعا، واختلف في توبة المؤمن العاصي هل هي مقبولة شرعا أي ظنا وصحح، أو قطعا وشهر. اهــ.
قال العدوي في حاشيته عليه: [قوله: ظنا] أي لقوله تعالى {ويتوب الله على من يشاء} [التوبة: 15] فيكشف ما تدعون إليه إن شاء، وما زالت الصحابة، والسلف يرغبون في قبولهم طاعاتهم ولو كانت مقبولة قطعا لما طلبوا قبولها، فإن قيل قال تعالى: {وهو الذي يقبل التوبة} [الشورى: 25] إلخ قلنا: لا عموم فيها، ولو سلم فيحتمل التخصيص ببعض الناس، أو ببعض الذنوب فلا قطع. اهــ.
ويرى آخرون أن قبولها قطعي، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وهو في التوبة من الكفر قطعي، وفي غيره من الذنوب خلاف بين أهل السنة، هل هو قطعي، أو ظني قال النووي: الأقوى أنه ظني، وقال القرطبي: من استقرأ الشريعة علم أن الله يقبل توبة الصادقين قطعا. اهــ.
وقد رجحنا في الفتوى: 188067، أن قبول التوبة قطعي.
وأما شرح النووي رحمه الله تعالى لأحاديث التوبة التي ذكرتها مع كونه يرى أن قبولها ظني، فهو وغيره من العلماء القائلين بمثل قوله لا ينازعون في أن تلك الأحاديث دالة على سعة رحمة الله، وأنه يقبل التوبة، وإنما ينازعون في دلالتها على القطع بالقبول، فهم يؤمنون بأن الله تعالى يقبل التوبة بلا شك لدلالة النصوص صراحة على هذا، ولكن يقولون الأمر معلق بمشيئته للنصوص الأخرى، فقد قال الإمام النووي في شرحه لأحاديث التوبة في صحيح مسلم: ومنها حديث: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار " قال: وهذه الأحاديث ظاهرة في الدلالة لها، وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة، أو ألف مرة، أو أكثر، وتاب في كل مرة قبلت توبته، وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته. اهـــ.
والله أعلم.