السؤال
لي أب يشعرني بالضيق، وقد منعني من إتمام دراستي لمدة 3 سنوات، ودائما ما ينعتنا بكلمات السب والشتم، ويتهمنا أننا نخطط ضده، مع أن هذا الشيء غير صحيح.
في إحدى المرات ذهبت معه، وقمت بوضع عطر، فبدأ بالاتهامات لي، حتى إنه سبني بكلمة غير عربية، ولما بحثت عن المعنى، وجدت أنه بمعنى عاهرة وقذرة. وقد وضعنا في عدة مشاكل، أصبحنا مهددين بالقتل؛ لأنه أخذ أخي وذهب به للمحكمة ليشهد ضد سارق دون أن يتشاور مع أمي، مع العلم أنه كان دائما ما يطلب من أمي المشاورة حتى في أصغر الأشياء، وإذا لم تفعل يتهمها ويسبها، والسبب الذي يتعلل به دائما هو أن أمي باعت جزءا من ذهبها، فهو يلومها؛ لأنها لم تسأله، وحتى إن سألته سيقول: لا! مع العلم أنه مهرها.
البارحة حصلت مشكلة بسبب شيء تافه، وهو أننا قدمنا له عنبا، وكان صائما، فتركه حتى الإفطار، فأخذت أنا وأخواتي قليلا من العنب، وحينما علم بدأ بكلماته المعتادة، وأخذ العنب المتبقي ورماه على أمي، وقال لها: أنت السبب، وأمي من شدة ما تعبت ردت عليه، فقام بضربها، فلم أحتمل أن أراها وهي تتعرض للضرب، ففتحت باب غرفتي، وقلت له: ها هو العنب، فرماه، وقام بضربي، فقمت بالرد عليه بصوت مرتفع، ولكن لم أشتمه، فرغت ما بقلبي، وحينما استيقظت في الصباح قرأت أنه إذا كان الإنسان لا يملك نفسه على الغضب حتى رفع صوته على أبيه أو أمه؛ فإنه لا يؤاخذ بهذا، ولكن عليه إذا زال الغضب أن يتحلل من والديه، وعلى والديه أن يقدرا هذه الحالة وأن يحللاه، لا سيما إذا جاء معتذرا.
وهناك آخرون يقولون: إنه من العقوق.
فهل وقعت في كبيرة العقوق، حيث إني لم أكن أعلم أن رفع الصوت على الوالدين من العقوق؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أن العقوق يحصل بالأذى ولو كان يسيرا.
قال بدر الدين العيني في عمدة القارئ: قال الشيخ تقي الدين السبكي: إن ضابط العقوق إيذاؤهما بأي نوع كان من أنواع الأذى قل أو كثر، نهيا عنه أو لم ينهيا، أو يخالفهما فيما يأمران، أو ينهيان بشرط انتفاء المعصية في الكل... انتهى.
ولا شك في أن رفع الصوت مما يتأذى به الوالد عادة، فيكون من العقوق.
وقد بين الشرع أدب مخاطبة الوالد، وأنه يكون بالذلة والتواضع واللين في القول، ونهى عما هو دون رفع الصوت من التصرفات، قال تعالى: إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا {الإسراء 23: 24}.
قال القرطبي في تفسيره: فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة، في أقواله وسكناته ونظره، ولا يحد إليهما بصره، فإن تلك هي نظرة الغاضب. انتهى.
والغضبان مكلف إلا في حالة واحدة، وهي: إذا ما وصل به الغضب إلى حال لا يعي معها ما يقول.
قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: ويقع الطلاق ممن غضب ولم يزل عقله بالكلية؛ لأنه مكلف في حال غضبه بما يصدر منه من كفر وقتل نفس، وأخذ مال بغير حق، وطلاق وغير ذلك... انتهى.
ويبقى النظر فيما ذكرت من جهلك بأن رفع الصوت من العقوق، فإن كان حالك كذلك؛ فنرجو ألا تكوني آثمة فيما يظهر لنا؛ لأن هذا مما يمكن أن يخفى حكمه على المسلم، ولكن ينبغي أن تجتنبي كل ما يمكن أن يستفز والدك، وأن تحرصي على مناصحته بالرفق واللين إن أساء التصرف، والدعاء له بخير، ويمكن أن تستعيني في سبيل إصلاحه ببعض المقربين إليه.
وفي الختام نسأل الله -عز وجل- أن يصلح حال والدكم، وأن يرزقه الرشد والصواب، وأن يكسبكم رضاه، وفي رضا الوالد رضا الرب تبارك وتعالى، كما ثبتت بذلك السنة الصحيحة.
والله أعلم.