السؤال
اتفقت مع زملاء على إنشاء شركة، ثم قمت بتوزيع العملاء على زملائي حسب التخصص، وبعد سنوات من تحويل العملاء لأحد الزملاء -لأن تخصصه يشملهم- اكتشفت أنه كان يأخذ العملاء من تخصصي لنفسه، وحيث إنه لم يكن عندي مصدر دخل آخر، فقد تعبت في تكوين الشركة، وتحملت مسؤوليات عدة، وكنت، ولم أزل في موقف ضعف، ولم أستطع أن أنتصر لنفسي، خصوصا أن باقي الشركاء لم ينصروني، وتغافلوا عني، أشعر بالغدر، وأسأل الله أحيانا لم لم ينصرني؟ فقد طالني الأذى، وأتألم كل يوم من سرقة رزقي، واسمي في السوق، فماذا أفعل؟ وهل أنا على حق؟ وهل سيأخذ الله لي حقي؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدنيا ليست بدار جزاء، والعدل المطلق لا يقام فيها، وإنما يكون في الآخرة، كما قال تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين {الأنبياء: 47}.
وقال الله -عز وجل: ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار {إبراهيم: 42}.
ولذلك، فإن المظلوم إذا لم يأخذ حقه في الدنيا، فسيأخذه يوم القيامة، والظالم إذا لم يوف ما عليه من الحقوق، أو يستحل أصحابها في الدنيا، فسوف يؤديها رغم أنفه في يوم القيامة، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: يحشر الله -عز وجل- الناس يوم القيامة عراة غرلا بهما، قالوا: وما بهما؟ قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حق، حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، وله عند رجل من أهل النار حق، حتى أقصه منه حتى اللطمة، قال: قلنا: كيف، وإنما نأتي الله عز وجل حفاة عراة غرلا بهما؟ قال: بالحسنات، والسيئات. رواه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد، وحسنه المنذري.
وقال صلى الله عليه وسلم: من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار، ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه. رواه البخاري في صحيحه، وبوب عليه: باب القصاص يوم القيامة.
وراجع للأهمية في بقية الجواب، الفتاوى: 120102، 124756، 381029.
وهنا ننبه على أن قول السائل: أسأل الله أحيانا لم لم ينصرني؟! إن كان على سبيل الاعتراض، أو الشك على حكمة الله تعالى في قضائه، وقدره، فهذا خطر عظيم، وخطأ جسيم، وإن كان على سبيل التساؤل عن حكمة الله تعالى في ذلك، فلا يخلو من نوع إساءة في حق الله تعالى، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وعلى أية حال، فإن من حقق شروط الإجابة، وانتفت عنه موانعها، فدعاؤه مستجاب بلا شك، وليس معنى ذلك أن يحصل المطلوب بعينه وفي الحال، فإن صور الإجابة متنوعة، فإما أن يعطى ما سأل، وإما أن يصرف عنه من السوء مثله، وإما أن يدخر له في الآخرة، كما قال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر! قال: الله أكثر. رواه أحمد، وصححه الألباني.
قال ابن عبد البر في التمهيد: فيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة. اهـ.
وقال ابن حجر في الفتح: كل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة: فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه. اهـ.
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: اعلم أن الله عز وجل لا يرد دعاء المؤمن، غير أنه قد تكون المصلحة في تأخير الإجابة، وقد لا يكون ما سأله مصلحة في الجملة، فيعوضه عنه ما يصلحه، وربما أخر تعويضه إلى يوم القيامة، فينبغي للمؤمن ألا يقطع المسألة لامتناع الإجابة، فإنه بالدعاء متعبد، وبالتسليم إلى ما يراه الحق له مصلحة مفوض. اهـ.
وراجع للأهمية الفتوى: 401488.
والله أعلم.