المؤمن يحرص على ما ينفعه.. لكن إن لم يقدَّر له

0 318

السؤال

أنا مقيم في دولة قطر منذ اثني عشر عاما, أبلغ من العمر 41 عاما ومتزوج ولي طفلان، علي ديون فى حدود الـ20,000 ريال قطري منذ أربع سنوات, وانقطعت عن والدي منذ 6 سنوات حيث لا أستطيع أن أسافر للإجازة لعدم توفر حتى القليل من المال ولا أملك أي منزل في بلدي, وهناك فرص للدراسة العليا عن طريق الإنترنت، حيث لا يتوفر التخصص في أي دولة عربية أو مسلمة سواء أكان عن طريق الإنترنت أو عن طريق الانتظام، ومنذ عشر سنوات أحاول أن أوفق بين كل هذه الأشياء وبين واجباتي نحو أسرتي ووالدي ولم أستطيع أن أوفق، مع اعتبار ظروف التمويل من البنوك المحلية في دولة قطر لا يمكن أن أتحصل على قرض حسن, وحاولت شراء سيارة ومن ثم بيعها وتستقطع من معاشي إلا ان شروط البنك لا أستطيع أن أوفرها له حتى أحصل على تمويل يبعدني عن الربا لأنني أخشى من سوء الخاتمة, لأن الموت قد يأتي بغتة وأكره أن أكون مرابيا, وأنا أتقاضى معاشا في حدود 4000 ريال بالإضافة إلى السكن، أرجو أن توضح لي ما يحقق طموحاتي بعيدا عن الحرام؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإنه لا حرج على المسلم أن يسعى إلى الغنى وإلى الحياة الكريمة ففي الحديث: نعم المال الصالح للمرء الصالح. رواه أحمد.

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. رواه مسلم.

ولكن لتعلم أن الغنى المادي ليس هو الغنى الحقيقي؛ كما في الحديث: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس. رواه البخاري.

فكم من أشخاص أغنياء ولكنهم فقراء حقيقة لفقر أنفسهم من الصفات الحميدة والخصال النبيلة، والعكس صحيح، ولا ريب أنك بوقوفك عند حدود الله وإيثار الآخرة على العاجلة غني وأي غنى، وصدق الشافعي رحمه الله إذ يقول:

              إذا ما كنت ذا قلب قنوع    فأنت ومالك الدنيا سواء

ثم لتعلم أن الحرص على الغنى من أي طريق اتفقت مفسد لدين المرء غاية الإفساد، وقد مثل له النبي صلى الله عليه وسلم بذئب جائع أرسل في غنم؛ كما روى الترمذي وغيره من حديث كعب بن مالك عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه.

يقول المباركفوري: والمعنى إن حرص المرء عليهما أكثر فسادا لدينه المشبه بالغنم. انتهى.

فالمؤمن يحرص على ما ينفعه نعم، لكنه إن فاته ولم يقدر له لم يتبعه نفسه حسرة ولم يشيعه بعبرة، قال الله تعالى: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور [الحديد:23]

وفي الحديث: وإن الله عز وجل يؤتي عبده ما كتب له من الرزق فأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم. رواه أبو يعلى.

وخلاصة جوابنا للأخ الكريم أن يستعين بالله ولا يعجز ويتيقن أن الأرزاق مكتوبة، وأنه لن تموت نفس حتى تستوفي أجلها ورزقها، ولعل الساعة التي يبسط الله رزقه عليه لم تأت بعد، وليكثر من هذا الدعاء والذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي أمامه وقد لزمته ديون فقال له: أفلا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. رواه أبو داود. 

وليتأمل السائل كلمة "وأعوذ بك من العجز والكسل" وليحمل نفسه ما أمكنه ذلك على أن يتخلص من العجز والكسل، فإن كثيرا من الناس يعجز عن استثمار ما عنده من جهد أو فكر أو مال بسيط أو علاقة مع الناس حسنه أو غير ذلك ثم يلوم القدر كما قيل:

      وعاجز الرأي مضياع لفرصته    حتى إذا فات أمر عاتب القدرا.

وفي الختام ننبه الأخ إلى أننا هيئة فتوى ولسنا هيئة استثمار، فليتوجه بسؤاله عن كيفية تحسين وضعه المالي إلى أهل الخبرة والدين في هذا المجال. 

والله أعلم.    

 

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات