الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فسؤالك قد اشتمل على عدة أمور:
الأمر الأول: ما يتعلق ببر والدك: فلا بد أن تعلم أن بر الوالدين يعد من أعظم القربات وعقوقهما يعد من أعظم المنكرات، فيجب أن تكون حريصا على بر والدك وصلته والإحسان إليه والرفق به ولو بدرت منه الاساءة والشدة.
والأمر الثاني: ما يتعلق بأخذ والدك لراتبك.
حيث إن للأب أن يأخذ من مال ابنه بقدر حاجته فيما زاد عن حاجة الابن من غير إضرار
لقوله صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
واللام في قوله صلى الله عليه وسلم: "لأبيك" للإباحة وليست للملك، فيباح للأب أن يأخذ من مال ولده ما يحتاج إليه مما لا يضر أخذه بالولد، وأما المال فهو ملك للابن،
قال ابن رسلان: اللام للإباحة لا للتمليك، فإن مال الولد له وزكاته عليه وهو موروث عنه. انتهى
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى عليه وسلم:
إن أولادكم هبة الله لكم، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها.
رواه الحاكم والبهيقي.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: ولأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء،
ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما أخذه ومع عدمها، صغيرا كان الولد أو كبيرا،
بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن، ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر، نص عليه أحمد، وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى.
وقال أيضا: وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام.. انتهى.
فما قام به أبوك من أخذ راتبك وحرمانك من مالك مع حاجتك له واستغنائه هو عنه يعد ظلما، وليس له مسوغ شرعي، ونسأل الله أن يهديه ويصلحه، ونحن ننصحك ببذل النصيحة له بالتي هي أحسن، وذكر أقوال أهل العلم له، وينبغي أن تعرض عليه هذه الفتوى وأمثالها، فلعله يؤوب ويرجع ويعطيك حقك الذي حرمك منه.
الأمر الثالث: ما يتعلق بأخذك من دكان أبيك ما أخذ من راتبك:
وهذا راجع إلى ماسبق في أخذ الوالد من مال ابنه، فإذا كان أخذ الأب بقدر الحاجة فيما زاد عن حاجة الابن من غير إضرار فلا يجوز للابن أن يأخذ من مال أبيه مقابل ما أخذ إلا برضاه، وإذا كان الأب يأخذ زائدا عن حاجته
أو كان الابن محتاجا لهذا المال أو كان في ذلك إضرار بالابن كما هو حال السائل فله أن يأخذ من مال أبيه مقابل ما أخذ ولو بغير علم الأب ورضاه إذا لم يكن أخذ ذلك بعلمه ورضاه بدون إغضابه.
وهذه المسألة تسمى عند الفقهاء بمسألة الظفر ودليلها هو:
ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن هند بنت عتبة قالت: يارسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.
وما في الصحيحين أيضا من حديث عقبة بن عامر قال:
قلنا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا فما ترى فيه؟ فقال لنا: إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف، فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم.
والله أعلم.