السؤال
أنا أم لثلاثة أيتام صغار، ولي معاش لا يكفينا، وقد ضاق بي الحال، وقد تداينت لأسد متطلبات الحياة من مأكل ومشرب، ومستلزمات المدارس، علما بأنني لا أعطي لأولادي معظم الدروس رغم حاجتهم لها.
يمنعني حيائي، وعزة نفسي، من طلب المساعدة، أو أخذ الصدقات.
فبسبب شدة الحياء، وقلة حيلتي، لجأت لصديقة أعلم أنها تساعد الناس، وكذبت عليها فقلت لها: توجد امرأة أرملة تربي أيتاما، وأنا وبعض المعارف نجمع لها مبلغا من المال.
فلثقتها بي أرسلت لي مبلغا يسيرا؛ لكي أوصله لها.
في الحقيقة هذه المرأة هي أنا، ولم أفعل ذلك إلا لشدة احتياجي.
فهل علي إثم؟ أم سيسامحني الله فيما فعلت؟
وقد أبدت صديقتي رغبتها بأن تخصص مبلغا من المال شهريا لها، وتسأل أقاربها المساعدة في ذلك.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولك: وأنا وبعض المعارف نجمع لها مبلغا من المال؛ كذب.
والأصل في الكذب هو الحرمة؛ لقوله تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون {النحل: 116}.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب؛ حتى يكتب عند الله كذابا. رواه مسلم.
ويستثنى من حرمته ما إذا اضطر الشخص إليه، ولم تمكنه التورية، أو كان للتوصل إلى أمر محمود، أو كان لاستيفاء حق يتعذر استيفاؤه إلا بالكذب؛ فقد قال تعالى: وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين {الأنعام: 119}.
وراجعي المزيد في الفتوى:272359.
والظاهر من سؤالك أنه يباح لك سؤال الناس لأجل الحاجة، فالسؤال إنما يحرم لأجل الاستكثار، وجمع المال.
أما عند الحاجة؛ فإنه يباح، كما سبق في الفتوى: 299152، وهي بعنوان: "المحظور والمباح من سؤال الناس أموالهم"
فإذا ثبت أنه يباح لك سؤال الناس -كما هو الظاهر من السؤال- فنرجو ألا مؤاخذة عليك فيما قلته من الكذب.
وبخصوص أخذ المال المذكور: فقد اختلف العلماء في أخذ الوكيل على الصدقة، منها، لنفسه، هل يجوز أم لا؟
والذي نفتي به هو جواز أن يأخذ منها لنفسه -إن كان متصفا بالصفة التي خصص المال لمن اتصف بها-.
وإن كان الورع يقتضي الخروج من الخلاف، وترك الأخذ إلا بإذن من أصحاب تلك الصدقات.
وانظري الفتويين: 141433، 501298.
والله أعلم.