السؤال
ما معنى حديث: "أنت ومالك لأبيك"؟ وهل يجوز للوالد أن يطلب كشف حساب بنكي بإصرار وعصبية؛ لمعرفة مدخراتي ونفقاتي، رغم مساهمتي الشهرية في مساعدة الأسرة؟
ما معنى حديث: "أنت ومالك لأبيك"؟ وهل يجوز للوالد أن يطلب كشف حساب بنكي بإصرار وعصبية؛ لمعرفة مدخراتي ونفقاتي، رغم مساهمتي الشهرية في مساعدة الأسرة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وغيرهم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصم أباه، فقال: يا رسول الله، إن هذا قد احتاج إلى مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك. وقد صححه جمع من العلماء، وضعفه بعضهم.
قال ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري: قال الدارقطني: غريب، تفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، ويوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، عن ابن المنكدر. وقال ابن القطان: إسناده صحيح. وقال المنذري: رجاله ثقات... فمجموع طرقه لا تحطه عن القوة، وجواز الاحتجاج به؛ فتعين تأويله. انتهى مختصرا.
والحديث لا يدل على أن الوالد يملك مال ولده، ويتصرف فيه كملكه، ولكنه يدل على عظم مكانة الوالد، ووجوب بره، والإحسان إليه، وحسن الأدب معه، ففي صحيح ابن حبان عن عائشة -رضي الله عنها-: أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاصم أباه في دين له عليه، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك.
قال أبو حاتم: معناه: أنه صلى الله عليه وسلم زجر عن معاملته أباه بما يعامل به الأجنبيين، وأمر ببره، والرفق به في القول والفعل معا، إلى أن يصل إليه ماله، فقال له: أنت ومالك لأبيك، لا أن مال الابن يملكه أبوه في حياته عن غير طيب نفس من الابن به. انتهى.
وقال ابن بطال -رحمه الله- في شرح صحيح البخاري: كما جاء في الحديث: (أنت ومالك لأبيك)، يريد في البر والمطاوعة، لا في اللازم، ولا في القضاء. انتهى.
وقال ابن عبد البر -رحمه الله- في الاستذكار: وهذا بين أن قوله صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) أنه ليس على التمليك، وكما كان قوله عليه الصلاة والسلام: (أنت) ليس على التمليك، فكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (ومالك) ليس على التمليك، ولكنه على البر به، والإكرام له. انتهى.
وجاء في شرح سنن أبي داود لابن رسلان: وأما حديث: "أنت ومالك لأبيك" لم يرد به حقيقة الملك، وإنما أراد به المبالغة في وجوب حقه عليه، وتأكده. انتهى.
وقال المناوي -رحمه الله- في فيض القدير: كل أحد أحق بماله من والده وولده والناس أجمعين، لا يناقضه الخبر المار: أنت ومالك لأبيك؛ لما سبق أن معناه: إذا احتاج لمالك أخذه، لا أنه يباح له ماله على الإطلاق؛ إذ لم يقل به أحد. انتهى.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوالد إذا لم يكن فقيرا، وكان في كفاية من العيش؛ فليس له أن يأخذ شيئا من مال ولده دون رضاه.
وذهب الحنابلة إلى أن للأب الأخذ من مال ولده، ولو بغير حاجة؛ بشرط ألا يجحف بمال ولده، أو يضره، وألا يأخذ من مال ولد ليعطيه لولد آخر، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه، مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها، صغيرا كان الولد أو كبيرا، بشرطين:
أحدهما: ألا يجحف بالابن، ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: ألا يأخذ من مال ولده، فيعطيه الآخر...
وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته. انتهى.
وعليه؛ فلا يجب عليك إطلاع والدك على حسابك البنكي، وتفاصيل مدخراتك ونفقاتك.
وليس له -إذا كان في كفاية- أن يأخذ شيئا من مالك دون رضاك.
لكن؛ عليك بره، والإحسان إليه، والرفق به، والحذر من إغضابه، أو الإساءة إليه بقول، أو فعل؛ فحق الوالد عظيم.
فعليك التلطف في الاعتذار منه.
وإذا قدرت على إعطائه ما يريد من مالك دون ضرر يلحقك؛ فهذا أفضل وأحسن، وقد جاء في الفروق للقرافي: قيل لمالك ... يا أبا عبد الله، لي والدة، وأخت، وزوجة، فكلما رأت لي شيئا قالت: أعط هذا لأختك، فإن منعتها ذلك، سبتني، ودعت علي، قال له مالك: ما أرى أن تغايظها، وتخلص منها بما قدرت عليه، أي: وتخلص من سخطها بما قدرت عليه. انتهى.
واعلمي أن بر الوالدين من أفضل الأعمال التي يحبها الله، والصبر على ذلك من أعظم أسباب رضوان الله، ونيل معيته وتوفيقه.
جاء في الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد.
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.
والله أعلم.