السؤال
نفعنا بعلمكم، وجزاكم الله خير الجزاء، وسؤالي هو: كيف أوفق إلى أن أعرف طريقة الجزاء يوم القيامة لأعمالي بالدنيا، هل هو الأمر نسبي بحت، أي عندما ترجح كفة حسناتي على سيئاتي لن أعذب ولن تمسني النار، هكذا أفهم الآية، وهل ترك صلاة الفجر وتأخيرها عن وقتها على الدوام مع قضائها والمحافظة على الصلوات الباقية جماعة سيئة سأبقى أحاسب عليها يوم القيامة، مع العلم بأنه لمجرد قراءة القرآن في اليوم كجزء أو جزءين سأكون مليونيرا بالحسنات، فهل يعقل أني أعمل مليون سيئة باليوم، لا طبعا ولكن أرجوكم دلوني أين ذهبت ملايين حسناتي بقراءة القرآن أمام قضاء صلاة الفجر وتركها لوقتها، أريد الحقيقة أرجوكم ردوا علي أنا محتار وآسف للإطالة؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بين الله جل وعلا في عدة آيات من كتابه الكريم أن من ثقلت موازينه فهو من المفلحين ومن خفت موازينه فهو من الهالكين، قال الله تعالى: والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون [الأعراف: 8-9].
وقال حذيفة وعبد الله بن مسعود وغيرهما من الصحابة: يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف، فمن رجحت حسناته على سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته بواحدة دخل النار، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف.
وهذه الموازنة تكون بعد قصاص واستيفاء المظلومين حقوقهم من حسناته، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار.
والمسلم مطالب حينما يفعل الحسنات أن يرجو الثواب عليها من الله ويخاف من عدم قبولها، لأن الله إنما يتقبل من المتقين، كما قال سبحانه: إنما يتقبل الله من المتقين [المائدة: 27].
ولذا فليحذر المسلم من الاغترار بالعمل والاعتماد عليه وليتذكر دائما قول الله تعالى: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون [الزمر: 47].
وقوله: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا* الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا [الكهف: 103-104].
ولذلك قال عبد الله بن عمر: لو أعلم أن الله تقبل مني سجدة واحدة لم يكن غائب أحب إلي من الموت إنما يتقبل الله من المتقين.
وقد يقوم بالإنسان ذنب يمنع من إثابته على أعماله الصالحة وهو لا يشعر وتكون يوم القيامة هباء منثورا، كمن ترك صلاة العصر، ففي صحيح البخاري عن أبي المليح قال: كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله.، وصلاة الفجر لا تقل أهمية عن صلاة العصر، بل ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن صلاة الفجر أعظم من صلاة العصر فتأخيرها حتى يخرج وقتها بدون عذر شرعي ذنب عظيم تجب التوبة منه ويعتبر كبيرة من كبائر الذنوب، بل ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن من ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها متعمدا أنه يكفر.
ومن ذلك كراهية شيء مما أنزل الله، قال الله تعالى: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم [ محمد: 9].
فالحاصل أنه قد يقوم الإنسان بكثير من الطاعات ولا تقبل منه لكونه مقارفا ما يبطلها مما سبق ذكره من الأعمال المحبطة لها ونحو ذلك، وعليه فلا يغتر الإنسان بأعماله ويمن بها ويستهين بمعاصيه وليعلم أن دخول الجنة بمحض فضل الله تعالى لا بمجرد الأعمال الصالحة، فإنها مهما كثرت لا تساوي نعمة واحدة من نعم الله التي امتن بها عليه في الدنيا فكيف تكون ثمنا للجنة، ولكن هي سبب ويدل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يدخله عمله الجنة، فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني ربي برحمة. متفق عليه.
قال العراقي في طرح التثريب: فيه حجة لمذهب أهل السنة أن الله تعالى لا يجب عليه شيء من الأشياء لا ثواب ولا غيره بل العالم ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عدلا منه وإذا أكرمهم ونعمهم وأدخلهم الجنة فهو بفضل منه، ولو نعم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك، لكنه أخبر وخبره صدق أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته ويعذب الكافرين ويدخلهم النار عدلا منه، فمن نجا ودخل الجنة فليس بعمله، لأنه لا يستحق على الله تعالى بعمله شيئا وإنما هو برحمة الله وفضله.
والله أعلم.