السؤال
عرفت من خلال موقعكم أن المبيع قد يكون:
1. معينا ومملوكا، كأن يكون حاضرا يشار إليه أو تعرض صورته، مثل سيارتي مثلا، فيصح بيعه.
2. معينا مملوكا لكنه غائب عن مجلس العقد، كأن تكون سيارتي مملوكة لي، لكنها غير حاضرة، ويصح بيعه أيضا.
3. غير معين لكنه مملوك ويباع بالصفة، مثل أن تكون لدي في مخزني ثلاجات متطابقة في المواصفات والماركة، ولم أحدد واحدة بعينها، فيصح بيعها كذلك.
4. موصوفا غير مملوك، كأن أبيع ثلاجة من ماركة معينة وطراز معين دون أن تكون في ملكي عند البيع، فهذا بيع في الذمة، ويشترط حينها أن يكون وفق شروط السلم.
5. غير مملوك ومعينا، مثل أن أبيع سيارة صديقي دون إذنه أو دون امتلاكها، فلا يصح بيعه، لحديث النبي ﷺ: "لا تبع ما ليس عندك".
ويمكن أن تصبح الحالات المنهي عنها جائزة إذا كانت على سبيل الوعد غير الملزم، ولكن في العرف والأسواق، كيف نحدد إن كان ما جرى بين البائع والمشتري بيعا ملزما أم مجرد وعد؟ فما يحدث بين البائع والمشتري، سواء عبر الهاتف أو في المحلات، يكون كالتالي:
المشتري: "أنا أريد البضاعة الفلانية، بكم سعرها؟
" البائع: "بكذا."
المشتري: "موافق "أنا أحتاجها."
فما الذي يجعل هذا الاتفاق عقد بيع ملزما أو مجرد وعد؟ وهل يجب أن يصرح البائع للمشتري بقوله: "ائت بالبضاعة وسوف أشتريها، أم إن عدم دفع المشتري أي مبلغ يعد دليلا على أن ما جرى مجرد وعد؟ وهل العرف السائد عند البائعين، وهو أن يحضر السلعة إذا كان المشتري يريدها، يحدد طبيعة الاتفاق؟ وماذا لو اشترط البائع على المشتري أنه إذا أحضر السلعة، وجب عليه أخذها، فهل يعد ذلك بيعا ملزما؟
أرجو منكم توضيح طريقة عملية للتمييز بين الوعد والبيع.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبيع عقد ملزم، يترتب عليه أثره من انتقال الملك واستحقاق البائع الثمن، والمشتري المثمن.
وأما الوعد، فليس بملزم، ولا يترتب عليه أثر العقد. فأهم الآثار المترتبة على البيع هي: انتقال الملك.
جاء في الموسوعة الفقهية: يملك المشتري المبيع، ويملك البائع الثمن، ويكون ملك المشتري للمبيع بمجرد عقد البيع الصحيح، ولا يتوقف على التقابض، وإن كان للتقابض أثره في الضمان ... ويترتب على انتقال الملك في البدلين ما يلي:
أ- أن يثبت للمشتري ملك ما يحصل في المبيع من زيادة متولدة منه، ولو لم يقبض المبيع. ولا يمنع من انتقال ملكية المبيع إلى المشتري كون الثمن مؤجلا.
ب- أن تنفذ تصرفات المشتري في المبيع، وتصرفات البائع في الثمن، كما لو أحال شخصا به على المشتري. هذا بعد القبض، أما تصرف المشتري قبل القبض، فإنه فاسد، أو باطل ...
ج - إذا قبض البائع الثمن، ولم يقبض المشتري المبيع، حتى لو مات البائع مفلسا، فإن للمشتري حق التقدم في المبيع على سائر الغرماء. ويكون المبيع في هذه الحال أمانة في يد البائع، ولا يدخل في التركة.
د- لا يجوز اشتراط بقاء البائع محتفظا بملكية المبيع إلى حين أداء الثمن المؤجل، أو إلى أجل آخر معين.
هذا، ولا يمنع من انتقال الملك في المبيع أو الثمن كونهما ديونا ثابتة في الذمة إذا لم يكونا من الأعيان؛ لأن الديون تملك في الذمم ولو لم تتعين، فإن التعيين أمر زائد عن أصل الملك، فقد يحصل مقارنا له، وقد يتأخر عنه إلى أن يتم التسليم، كما لو اشترى مقدارا معلوما من كمية معينة من الأرز، فإن حصته من تلك الكمية لا تتعين إلا بعد التسليم، وكذلك الثمن إذا كان دينا في الذمة. اهـ.
والبيع لا ينعقد إلا بالإيجاب والقبول، وهما الصيغة الصادرة عن العاقدين لإفادة العقد، كأن يقول البائع للمشتري: بعتك كذا. فهذا إيجاب، فيقول المشتري: قبلت. وهذا قبول. فإذا انعقد وانفض مجلس العقد، لزم الطرفين، وثبت انتقال ملك البدلين بين البائع والمشتري، ولا يفسخ إلا بالإقالة.
وأما إذا لم يحصل الإيجاب والقبول، وإنما مجرد إظهار الرغبة في السلعة والتوافق على الثمن، فالبيع لم ينعقد، وإنما هو وعد، والتراجع عنه جائز مع الكراهة؛ لما فيه من إخلاف الوعد. ولا يوجب حقا ماليا على الواعد، إلا إن لحق بالموعود ضرر بسببه، فيعوض بقدر تضرره الفعلي عند بعض أهل العلم، وانظر الفتويين: 468361، 260590.
ومجرد اتفاق البائع مع المشتري على أخذ السلعة إذا أحضرها بعد ذلك، لا يخرج عن معنى المواعدة، ولا يعني انعقاد البيع الملزم، إلا إذا حصل الإيجاب والقبول في بيع الغائب، أو في بيع الموصوف في الذمة، وانضبط ذلك على وفق عقد السلم.
والله أعلم.