على المسلم التزام حسن الظن والأدب مع الله في كل أحواله

0 531

السؤال

عندي كلام كثير أقوله فعذرا لو خانني التعبير عما بداخل نفسي .. سيدي أنا فتاة عمري 25 جميلة و متعلمة ومن عائلة طيبة .. أحب ديني كثيرا وأحاول بقدر استطاعتي التزود منه لحياتي القادمة .. أنا أحب الله كثيرا لهذا أعمل ما يرضيه و أبتعد بقدر طاقتي عن إغضابه خوفا من عقابه لي .. مررت بفترة شديدة منذ عدة أشهر .. وكنت أحس بأن هذه الشدة بسبب ذنوبي التي كنت أرتكبها في تلك الفترة و بسبب غفلتي عن مرضاة الله (ربما هي ذنوب بسيطة في نظر الآخرين ولكنني كنت أراها كالجبال) .. والحمد لله مرت الأزمة وربما ربي حرمني من نعمة معينة في ذلك الوقت بسبب ذنوبي ولكن من ذلك الوقت و حتى هذه اللحظة و أنا أستغفر الله يوميا لجميع ذنوبي و أبكي بين يدي رحمته في الليل و النهار خصوصا في شهر رمضان المبارك .. ومن وقتها وأنا أحاول البحث في داخل نفسي عما ارتكبت من ذنوب و أحاول إصلاح نفسي بقدر طاقتي واجتهادي عملا بالآية إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. ولقد تركت أشياء كثيرة كنت أعملها وأحبها .. تركتها ابتغاء مرضاة الله وإرضاء لوجهه الكريم .. ولقناعتي أن الذنوب هي التي تجلب النقم على الإنسان .. وأنا أدعو الله ليلا و نهارا بأن يتوب علي و يعفو عن ذنوبي و ييسر لي أمري ويفك عني كربتي ويجعل لي من عنده مخرجا .. كما أنني ألزم الاستغفار و لساني دائما يلهث بكثرة الاستغفار لله تعالى .. ومع ذلك .. ومع كل ماذكرت أشعر التوتر و الحزن في داخلي .. ربما ذنوبي بسيطة جدا مقارنة مع غيري من الفتيات .. ولكنني أجدها كالجبال .. أثق برحمة الله و مغفرته ولكن كلما أذنبت ذنبا ولو كانت مجرد كلمة ربما فيها غيبة أحس بالألم في داخلي و ألوم نفسي على كثرة أخطائي و ينتابني إحساس أن كل ما بنيته سيذهب هباء وكأن الله تعالى يتربص لأخطائي .. هذا ما ينتابني من شعور في بعض الأحيان مع أنني في الأغلب أثق في رحمة الله تعالى .. شيخي .. ما أصعب الصبر على الابتلاء في هذه الدنيا وأنا أحس نفسي الآن في ابتلاء ولكنني أجد نفسي ضعيفة في بعض الأحيان و غير قادرة على مواجهة الحياة .. أحس بأن نفسي لا تقوى على تحمل كل هذا الألم الذي في داخلي لهذا أدعو الله دائما رب لا تحملني ما لا طاقة لي به .. وأستمر في الدعاء ولي سنوات وأنا مواظبة على الدعاء بجد و اجتهاد ربما لا يستطيعه غيري .. ومع هذا أجد الحال هو الحال .. أنتظر الفرج يوما بعد يوم .. وهو إحساس رهيب أن تعد الأيام حتى يأتيك الفرج و لا تجده ولا تجد من الضيق مخرجا .أنظر من حولي وفي محيطي وفي عائلتي أجدهم يعيشون حياتهم براحة دون الإحساس بالذنب لأقل الذنوب دون المداومة على الدعاء .. دون التقرب من الله والحرص على فعل الخيرات أحس بأنهم يفعلون القليل و يحصلون على الكثير وهل أكثر من راحة البال و الطمأنينة ؟؟ أنا التي أحافظ على ذلك أجد نفسي مقصرة ومضطربة وحزينة لا أدري هل هو خطأ في داخلي هل هذا الشعور ناتج عن تقصير مني أم هو شعور طبيعي لأطمع دائما بالمزيد . أنا كلي ثقة و يقين بأن القدر مكتوب و ما أصابنا لم يكن ليخطئنا و ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا أثق تماما بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب لنا أخاف من المكتوب أخاف أن يستمر الحال على ما هو عليه ربما سنة أو سنتين أو أربع أو أكثر من يدري كيف سأحتمل كل هذا الألم كيف ستمر علي هذه الأيام وهل سأجد سعادة فيها أحمل هذا الهم و أخاف منه كثيرا ولكنني أرجع و أقول من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا وأنه من يعمل الصالحات سيحييه الله حياة طيبة .. هذا وعد الله لنا والله لا يخلف وعده .. وأنا في كل مراحلي صدقت مع الله وعاهدته على عدم العودة إلى ذنوبي وعدم تكرارها على قدر استطاعتي وأنا مستمرة على وعدي ولكن أين الفرج أين المخرج عذرا شيخي على الإطالة ولكنه ألم كبير في داخلي يمنعني من السعادة وليسامحني الله إن كنت أخطأت دون قصد مني .. أريد ردك يا شيخ أريد ما يطمئن قلبي ويسد أي باب للشيطان لأنني أحس الشيطان يلعب برأسي و يسد الأبواب في وجهي وادعو لي أن يفرج الله كربتي و يفتح لي أبواب رحمته و يجعل لي من كل ضيق فرجا ..

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحمد الله الذي من عليك بالتوبة قبل الممات، والحمد الله الذي بصرك بعيوب نفسك، فقد تكون الذنوب سببا في التوبة والندم، فيدخل الإنسان بسبب ذلك الجنة وينال الدرجات العلى. ولكن ظهر لنا من رسالتك أشياء تستحق التعليق عليها، ومن ذلك أنك استبطأت إجابة الله لدعائك، وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك، فقال: يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ـ مالم يستعجل. قيل: يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجب لي، فيستحسر ويدع الدعاء. رواه مسلم. وانظري الفتوى رقم:  2395وكذلك فإن الفرج الذي تنتظرينه قد يأتيك من الله وقد لا يأتيك لحكمة يعلمها الله تعالى، ومن ذلك أن يدخر الله تعالى لك تلك الدعوة في وقت أحوج ما تكونين إليه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذن نكثر، قال: " الله أكثر!!".  بل قد يكون ما يظنه الإنسان خيرا، يكون شرا له في نفس الأمر إذا أدى لنسيانه مولاه أو غفلته عنه، فينشغل بالنعمة عن المنعم، وقد قال تعالى: ويدع الأنسان بالشر دعاءه بالخير !!{الاسراء: 11}. كذلك قد ظهر في رسالتك أنك تقارنين نفسك بمن هو دونك في العبادة أو أكثر منك في المعصية، وهذا من الخطأ، إذ إنه ربما أدى بك إلى العجب والكبر، وإنما ينبغي أن تقارني نفسك بمن هو أكثر منك طاعة وأقل معصية. واعلمي أنك إنما تتقربين له سبحانه وتتذلين لعظمته وكبريائه لتحققي عبوديتك له وليرضى بك أمة من إمائه، وإلا فهو غني عنك وعن عبادتك ـ فاحذري أن تمني عليه بعملك أو تدلي عليه بعبادتك! ثم هل تيقنت أن الله قبل منك من عبادتك ولو ركعتين، فقد روى ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي الدرداء أنه قال: لأن أستيقن أن الله قد تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: إنما يتقبل الله من المتقين{المائدة: 27}.كذلك يجب عليك أن تعلمي أن الله لا يسأل عما يفعل، فإذا رأيت الله سبحانه قد أنعم على غيرك بما حرمك منه فلا تعترضي، فإن الملك ملكه، والعبد عبده يرزق من يشاء بغير حساب، قال تعالى مخبرا عن نفسه: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {الانبياء:23}. ولكن يجب على العبد أنه إذا أعطي أن يشكر وإذا منع أن يصبر، واعلمي أن كثيرا ممن ظاهرهم منعمون هم في الحقيقة مستدرجون بنعم الله وهم لا يشعرون، ولأن يبقى الإنسان خائفا حتى يدركه الأمن عند الممات خير من أن يأمن حتى يدركه الخوف. وأما قولك: إنك تحسين أنك لا تقوين على تحمل الألم، فهذا قول من لم تر أهل البلاء، فأنت ـ والله ـ في عافية إذا راقبت المبتلين من حولك ممن فقدوا صحتهم أو بعض أعضائهم أو عقولهم أو عائلهم الوحيد، وإن أعظم الناس بلاء هم الذين استلب إيمانهم ونقص في الله يقينهم. وأما قولك: " كأن الله يتربص بأخطائي"، فهذا لا يليق أن يقال على الله جل في علاه، وهو قول من لا يعرف قدره سبحانه، فإنه جل وتعالى يفرح بتوبة العبد، ولا يريد أن يعذبه، قال تعالى: والله يريد أن يتوب عليكم{النساء: 27}.  وأخيرا اعلمي أن ما أنت فيه من الحزن والهم إنما هو بسبب فراغ القلب وتعلقه بالدنيا، وإنك لو جعلت شغلك الشاغل وهمك المقعد المقيم هو فكاك نفسك من النار ونجاتها يوم القيامة ـ لما وجد الحزن على الدنيا إلى قلبك سبيلا، قال تعالى: فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز {آل عمران: 185}. وقد قال صلى الله عليه وسلم: من جعل الهم هما واحدا كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبته الهموم لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلك. فعلاج الهم هو الإعراض عن الدنيا والإقبال على الله، واليقين بأن الرزق بيده سبحانه، وما على الإنسان إلا أن يأخذ بالأسباب، ويكل ما عدا ذلك إلى مدبر الكون. فإن فعل المؤمن ذلك ثم أصابه شيء من الهم ـ فهو رفعة في درجاته وحط من سيئاته ، قال صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا سقم ولا حزن ، حتى الهم يهمه ـ إلا كفر به من سيئاته. رواه مسلم. فليكن أنسك بالله، واستغني به عما سواه، وراجعي الفتاوى التالية: 57084،26806،17591،25308 ، 16790 ، 13393.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات