الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنا نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، وأن يفرج كربك وننصحك بصدق التوجه الى الله تعالى والتضرع اليه لينقذك مما ابتليت به واحرص على البدار بالزواج فانه أنجع الوسائل في التحصين والعفة فلعلك تجد من تسليك
وأكثر من صوم النفل حتى تتزوج، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء متفق عليه
وحافظ على الصلاة في الجماعة وواظب على الأذكار المقيدة والمطلقة وعلى مطالعة كتب الترغيب والترهيب وأهوال القيامة وسير السلف وقصص التائبين، وابحث عن صحبة صالحة تتواصى معهم بالحق وتتعاون معهم على البر والتقوى
وابتعد عن نظر الرجال الذين يعجبك منظرهم وابتعد عن الخلوة بهم واكثر من التعوذ من الشيطان وحاربه بالصبر عما يزينه من الشهوات وبتعلم العلم حتى تعلم الحق فتصد عنك كيده ووسوسته وتدفع ما يلقيه عليك من الشبهات فقد قال الله تعالى : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون {الأعراف: 200-202}
وقال تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر {العنكبوت:45}.
وفي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره، فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. رواه أحمد والترمذي والحاكم، وصححه الألباني.
وفي صحيح مسلم أن العالم الذي سأله قاتل مائة نفس عن التوبة قال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.
وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
وقد قال ابن القيم في جهاد الشيطان :
وأما جهاد الشيطان ، فمرتبتان ، إحداهما : جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان .
الثانية : جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات ، فالجهاد الأول يكون بعده اليقين ، والثاني يكون بعده الصبر . قال تعالى : وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون {السجدة : 24} فأخبر أن إمامة الدين ، إنما تنال بالصبر واليقين ، فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة ، واليقين يدفع الشكوك والشبهات .
وراجع في الوسائل المساعدة على التخلص من الشذوذ الفتاوى التالية أرقامها : 1087، 2283، 1968، 12919، 24932، 52421، 52466، 58249، 5453
وأما آيات الأعراف
ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين {الأعراف 80-84}
فقد قال ابن كثير في تفسيرها :
يقول تعالى و لقد أرسلنا لوطا أو تقديره و اذكر لوطا إذ قال لقومه ولوط هو ابن هاران بن آزر وهو ابن أخي إبراهيم الخليل عليهما السلام ، وكان قد آمن مع إبراهيم عليه السلام وهاجر معه إلى أرض الشام فبعثه الله إلى أهل سدوم وما حولها من القرى ، يدعوهم إلى الله عز وجل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم ، وهو إتيان الذكور دون الإناث ، وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ولا يخطر ببالهم ، حتى صنع ذلك أهل سدوم عليهم لعائن الله .
قال عمرو بن دينار في قوله ما سبقكم بها من أحد من العالمين قال : ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط ، وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي باني جامع دمشق : لولا أن الله عز وجل قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا ، ولهذا قال لهم لوط عليه السلام أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء أي عدلتم عن النساء وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال وهذا إسراف منكم وجهل لأنه وضع الشيء في غير محله ، ولهذا قال لهم في الآية الأخرى هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين فأرشدهم إلى نسائهم فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن ، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد أي لقد علمت أنه لا أرب لنا في النساء ولا إرادة ، وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك ، وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى بعضهم ببعض وكذلك نساؤهم كن قد استغنين بعضهن ببعض أيضا .
وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون
أي ما أجابوا لوطا إلا أن هموا بإخراجه ونفيه ومن معه من بين أظهرهم ، فأخرجه الله تعالى سالما وأهلكهم في أرضهم صاغرين مهانين ، وقوله تعالى : إنهم أناس يتطهرون قال قتادة : عابوهم بغير عيب ، وقال مجاهد : إنهم أناس يتطهرون من أدبار الرجال وأدبار النساء . وروي مثله عن ابن عباس أيضا .
فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين
يقول تعالى فأنجينا لوطا وأهله ولم يؤمن به أحد منهم سوى أهل بيته فقط ، كما قال تعالى : فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين إلا امرأته فإنها لم تؤمن به ، بل كانت على دين قومها تمالئهم عليه وتعلمهم بمن يقدم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم ، ولهذا لما أمر لوط عليه السلام ليسري بأهله أمر أن لا يعلمها ولا يخرجها من البلد ، ومنهم من يقول : بل اتبعتهم فلما جاء العذاب التفتت هي فأصابها ما أصابهم ، والأظهر أنها لم تخرج من البلد ولا أعلمها لوط بل بقيت معهم ، ولهذا قال ههنا إلا امرأته كانت من الغابرين أي الباقين ، وقيل من الهالكين وهو تفسير باللازم ، وقوله وأمطرنا عليهم مطرا مفسر بقوله وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ولهذا قال فانظر كيف كان عاقبة المجرمين أي انظر يا محمد كيف كان عاقبة من يجترىء على معاصي الله عز وجل ويكذب رسله .
وقد ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن اللائط يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط ، وذهب آخرون من العلماء إلى أنه يرجم سواء كان محصنا أو غير محصن وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله والحجة ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو بن أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به وقال آخرون هو كالزاني فإن كان محصنا رجم ، وإن لم يكن محصنا جلد مائة جلدة ، وهو القول الآخر للشافعي . انتهى كلام ابن كثير
وأما سؤالك عما تثبته الآيات أو تنفيه فإنا لم نفهمه فيمكنك إيضاحه لنا حتى نجيبك عليه بإذن الله
وأما سؤالك عن الصلاة في المسجد فإنا نرى حليتها بل ضروريتها لك فإن المنافع المترتبة على الصلاة فيه أكبر مما تخشاه من الضرر فاحرص على الصلاة في المسجد واستشعر أنك بين يدي الله عز وجل , وهو مطلع عليك وعلي صلاتك كما ينبغي أن تعتقد أنك تناجيه سبحانه وتعالي كما قال صلي الله عليه وسلم : إذا قام أحدكم يصلي فإنه يناجي ربه ).رواه البخاري .وقال : صل صلاة مودع كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك رواه ابن النجار وحسنه الألباني
واشتغل بتدبر ما تقرأ من القرآن والأدعية والأذكار واحفظ عينك وقلبك عن النظر والتفكير في الرجال وجاهد نفسك في صرف النزوات الشهوانية
وأما إحساسك بعدل الرحمن فإنك إذا تفكرت بعقلك وتذكرت نعم الله عليك فإنك ستحس بتفضله وتكرمه عليك ونعمه التي لاتحصى فقد خلقك في أحسن صورة وجعلك من الآدميين الذين كرمهم وفضلهم وجعلك من خير أمة وانعم عليك بالإسلام
فقد قال الله تعالى :
يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم .الذي خلقك فسواك فعدلك . في أي صورة ما شاء ركبك {الانفطار: 6-8}
وقال:
ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا {الإسراء: 70}
وقال:
ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة {لقمان: 20}
فأكثر من ذكر النعم وشكرها عملا بقول الله تعالى :
فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون {الأعراف: 69}
وعملا بقوله:
يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون {فاطر: 3}
واعلم أنه لو عاملك الله بعدله وجازاك على معاصيك لأهلكك كما أهلك قوم لوط ولكنه تفضل عليك وأمهلك لعلك تتوب فلا تلتفت إلى ما يقول عدوك الشيطان فإن الله عز وجل عدل لا يظلم أحدا من خلقه مثقال ذرة ، كما قال: وما ربك بظلام للعبيد {فصلت:46}
وقال : إن الله لا يظلم مثقال ذرة .{النساء:40}
والله أعلم