الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في كبد {البلد:4}: روي عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما: يعني: منتصبا، زاد ابن عباس في رواية عنه: منتصبا في بطن أمه، والكبد الاستواء والاستقامة، ومعنى هذا القول: لقد خلقناه سويا مستقيما، كقوله تعالى: يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم* الذي خلقك فسواك فعدلك* في أي صورة ما شاء ركبك. وكقوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم.
وقال سعيد بن جبير: لقد خلقنا الإنسان في كبد. في شدة وطلب معيشة، وروي عن الحسن: يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة... انتهى بتصرف.
ولا شك أن الدنيا دار بلاء ومشقة وعنت لحكم يعلمها الله، ولعل من الحكم في ذلك أن لا يركن الإنسان إلى الدنيا فيخلد إليها ويظن أنها نهاية المطاف، ولكن إذا جاهد فيها فسيتعلق قلبه بدار لا نصب فيها ولا وصب، وسيشتاق إلى جوار الرحمن في جنة الخلد، قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء. وقيل للإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة. وانظري الفتوى رقم: 55390، والفتوى رقم: 25874.
هذا واعلمي أن البلاء في الدنيا له أسباب كثيرة، انظري بعضها في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 22830، 13270، 19002، 20967.
فأحسني الظن بربك، وتوكلي عليه وثقي بما عنده، فالله عند ظن عبده به، وافعلي من الخير ما تطيقين، والزمي الاستقامة على أمر الله تعالى، فستجدين عاقبة ذلك قبل الموت وعنده وفي القبر ويوم القيامة، قال الله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين {العنكبوت:69}، وقال أيضا: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم {محمد:7}.
واعلمي أنك إن أديت الطاعات على وجهها مستوفية شروطها وأركانها ولم تكن ثمة موانع، فإن الله يقبلها منك، فلا تستسلمي لوساوس الشيطان، وانظري شروط قبول العبادة في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 14005، 8589، 6417.
ولا تسترسلي في الخواطر أثناء الصلاة، واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم قبل قراءة الفاتحة في كل ركعة، وحافظي على الأذكار التي تقال في الصلاة عموما، وانظري الفتوى رقم: 3087، والفتوى رقم: 8759.
واحذري الوسوسة في باب الطهارة فإن عاقبتها وخيمة، وانظري الفتوى رقم: 10355، والفتوى رقم: 3086.
واجعلي ذكر الموت حافزا لك للإكثار من الطاعات والابتعاد عن المعاصي، لا مقعدا لك عن جميع نشاطك ومزهدا لك من ممارسة دورك في الحياة، وانظري الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 6603، 8181، 22947.
هذا ومن أهم أسباب طمأنينة القلب وانشراح الصدر -ذكر الله تعالى- قال تعالى: ألا بذكر الله تطمئن القلوب {الرعد:28}، وإن أعظم الذكر: كلام الله، فاقرئي القرآن بتدبر وحضور قلب، فقد قال الله تعالى: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين {الإسراء:82}، وواظبي على ذكر الله تعالى، وخاصة الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وبعد الصلوات وعند النوم، وتجدينها وغيرها في كتاب (حصن المسلم) للقحطاني.
والتمسي رفقة صالحة من الأخوات الفضليات وشاركيهن في فعل الخيرات، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
واستمعي للأشرطة الإسلامية النافعة، وأهدي منها لجيرانك وأقربائك، وشاركي في نشر الخير، فإن مشاركتك في الدعوة إلى الله وفعل المعروف ودلالة الناس إليه ستجدد حياتك فضلا عما تجنينه من الثواب، وتذكري أن الدال على الخير كفاعله.
وأسألي الله بذل وإلحاح وأنت موقنة بالإجابة أن يشرح صدرك وينور قلبك، وأن يلهمك رشدك ويكفيك شر الشيطان وشر نفسك، وأن يرزقك الاستقامة والثبات حتى الممات، وتحري في دعائك أوقات الإجابة الفاضلة، وانظريها في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 11571، 2395، 23599، 17449، 32655.
والله أعلم.