السؤال
أرجو منكم فك اللبس لدي في فهم القرآن الكريم بخصوص المواضيع أدناه
1- قول الله تعالى "ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون , ثم عفونا عنكم من بعد ذلكم لعلكم تشكرون" , كيف يعفو الله عن ذنب الشرك؟
2- قول الله تعالى " كل نفس ذائقة الموت " ثم قول الله تعالى على لسان سيدنا عيسى " تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك " هنا الله يقر أن له نفسا وفي الآية الأولى أنه كل نفس ستموت.مع ملاحظه أن الآية الأولى ذكرت كلمة "نفس" أي نكرة وليس معرفة وبالتالي لا تستثنى أي نفس من الموت ما دام اسمها "نفس".
3- قول الله تعالى على لسان الهدهد " إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ..."الآية ,, السؤال هو أنني أعلم أن الآية السابقة هي كلام الله ولكن هل نقلت إلينا عبر الوحي كما قالها الهدهد تماما, إذا كان الجواب نعم فإننا نتعبد بكلام الهدهد أم بكلام الله؟ وكذلك فان الإعجاز اللفظي للقران يكون من نطق الهدهد . ولا يمكن أن يكون الجواب أن الكلام السابق ليس كلام الهدهد لأنه لا أصدق من الله .
وجزاكم الله خيرا
(أستغفر الله العظيم )
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنيبغي أن يعلم أولا أن كتاب الله تعالى كله حق وصدق، لا اختلاف فيه ولا تضاد، وقد قال الله تعالى:
ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا {النساء: 82} وقال تعالى: وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد {فصلت: 41-42}. وقال تعالى: الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير {هود: 1} وما ينقدح في أذهان بعض الناس من وجود اختلاف في القرآن أو تضاد إنما مرده إلى الجهل بكتاب الله تعالى، وقلما يقع هذا لطالب علم، فينبغي للمسلم أن يطلب العلم الشرعي ليرفع الجهل عن نفسه، ولئلا يصير ألعوبة بيد الشيطان يقلبها كيف يشاء، ولربما شككه في كتاب ربه فيضل بعد الهدى والعياذ بالله.
وأما ما ذكره السائل من الإشكالات فنقول:
أولا: الشرك الذي لا يغفره الله تعالى هو الشرك الذي يموت عليه صاحبه من غير توبة. قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {النساء: 48}، وأما من تاب من الشرك قبل موته فإن الله تعالى يقبل توبته ويعفو عنه. قال الله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا {الزمر: 53}، وقد كان كثير من أهل مكة مشركين ولما أسلموا وتابوا إلى الله تعالى من الشرك صاروا خير هذه الأمة وأعظمها منزلة عند الله.
والذين عفا الله عنهم من عبدة العجل تابوا إلى الله تعالى فقد أخبر الله عز وجل عن موسى أنه أمرهم بالتوبة إلى الله وجعل توبتهم أن يقتل بعضهم بعضا ففعلوا فتاب الله عليهم. قال تعالى: وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم {البقرة: 54} قال القرطبي: في الكلام حذف تقديره ففعلتم فتاب عليكم. اهـ.
وأخبر تعالى أن الذين عبدوا العجل لما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين {الأعراف: 149}
ثانيا: قوله تعالى: كل نفس ذائقة الموت. أي كل نفس مخلوقة فنفس الله عز وجل غير داخلة أصلا في هذا العموم لأنها غير مخلوقة، ولفظة: (كل) تضاف إلى الشيء ويراد به عموم ما يناسبه ألا ترى إلى قول الله تعالى عن ملكة سبأ: وأوتيت من كل شيء. أي مما يعطاه الملوك في ذلك الزمن وإلا فهي لا تملك ما أتاه الله تعالى لنبيه سليمان عليه السلام.
ثالثا: قوله تعالى: إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء {النمل: 23} هذا إخبار من الله تعالى أن الهدهد قال ذلك وقد قال الله تعالى: ومن أصدق من الله حديثا {النساء: 87} أي لا أحد ، ونحن نتعبد ونؤجر عند قراءة هذه الآية لأن الله قالها فهي من كلام الله وليس لأن الهدهد قالها، وقد أخبر الله تعالى في كتابه عن غير الهدهد فأخبر عن الشيطان أنه قال: إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم {إبراهيم 22} وحكى الله لنا أقوالا كثيرة عن المشركين وبين بطلانها ومع ذلك فإن المسلم إذا قرأها وتلاها فإنه يؤجر لأنها من كلام الله. وإننا أخيرا ننصح السائل أن يشتغل بطلب العلم فإن هذا يقيه بإذن الله من وساوس الشيطان التي يلقيها على قلبه نسأل الله الهداية للاخ السائل وان يوفقه لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.