السؤال
سؤالي هو: الغيبة والنميمة معروف أنهما حرام وصلة الرحم واجبة، فإذا كان صلة الرحم دائما عند اللقاء فيهم لا بد من أن يكون حديث الجلسة يحتوي على الغيبة والنميمة وجرح المشاعر بالكلام المؤذي ودائما أنبه هذا لا يجوز وخلينا نغير الحديث والكل يمتعض مني ومنذ أكثر من سنة وأنا أحاول أن أجلس مجلسا لا غيبة فيه وأبكي بحرقة لأني لا أريد معصية الله ولا أحب سماع شيء عن الآخرين فيما يسوءهم ، باختصار فإن الجلسة تحتوي على كثير من المخالفات الشرعية بالنسبة للأحاديث وفي نفس الوقت من أجلس معهم هم صلة القرابة الوحيدة لي وهم أهل زوجي وكيف أوفق بين عدم قطع الرحم وما يرتكب من آثام ولا تقولوا لي النصيحة لأن النصيحة لا تجدي نفعا معهم وأنا لا أستطيع ضبط لسان كل من في الجلسة فكيف السبيل لهذه المعادلة التي أسمع أن ناسا لم يجلسوا قط مجلس غيبة فكيف هذا والناس لا يستمعون ويريدون أن يفعلوا ما يريدون فهل علي إثم إن تجنبتهم حتى لو اعتبروني قاطعة لهم أم أجلس معهم ولا إثم علي لكوني لا أريد هذا الحديث من الصميم خوفا من الله تعالى، أريد رأيكم من ناحية شرعية أراحكم الله تعالى من كل سوء آمين
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يجنبك ما تكرهينه من سماع الغيبة والنميمة وغيرهما من المعاصي.
واعلمي -وفقك الله للخير وزادك حرصا على الطاعة- أن صلة الرحم من الأمور التي حث عليها الدين الحنيف ورغب فيها، وحذر من قطعها، بل وقرن الله تعالى قطع الأرحام بالفساد في الأرض الذي هو من أكبر الكبائر، فقال: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم {محمد:22} .
ومع هذا فإن الغيبة محرمة بالكتاب والسنة والإجماع، وعدها كثير من العلماء من الكبائر، وقد شبه الله تعالى المغتاب بآكل لحم أخيه ميتا، فقال: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه {الحجرات: 12}.
ولا يخفى أن هذا المثال يكفي مجرد تصوره في الدلالة على حجم الكارثة التي يقع فيها المغتاب، ولذا كان عقابه في الآخرة من جنس ذنبه في الدنيا، فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم ـ ليلة عرج به ـ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قال: فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. والأحاديث في ذم الغيبة والتنفير منها كثيرة.
ثم إن النميمة أيضا محرمة بالكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: هماز مشاء بنميم {القلم:11}. وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول. متفق عليه.
وورد النهي عن المجالس التي لا يذكر فيها الله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة. أي نقصا وحسرة، رواه النسائي وأبو داود والترمذي وحسنه. وروى أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من قوم جلسوا مجلسا وتفرقوا منه، لم يذكروا الله فيه إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار، وكان عليهم حسرة يوم القيامة.
فإذا كان هذا هو لمجرد أن المجالس انقضت دون ذكر لله، فكيف بالمجالس التي تتخذ للوقوع في أعراض الناس والمعاصي الأخرى؟
وقد ورد في الشرع الحنيف النهي عن القعود في مثل هذه المجالس، قال الله تعالى: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا {النساء:140} .
ثم إن المسلم مأمور باجتناب المنهيات كلها، وبإتيان ما يستطيعه من المأمورات. روى الشيخان والنسائي وابن ماجه وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
فنستخلص من جميع ما ذكر أن حضورك للمجالس التي ذكرت أن فيها ما بينته من المعصية لا يجوز، وأن صلة الرحم واجبة عليك، ولكن بالكيفية التي لا تجعلك تقعين في تلك المحاذير، كأن تصليهم عن طريق الهاتف أو بالكتابة، أوعن طريق الهدايا، وغير ذلك من الوسائل التي تمليها الظروف.
ومن الحسن أن يكون من بين الهدايا بعض الأشرطة المرئية والمسموعة، وبعض المقالات التي تبين خطر ما هم فيه. ولا تملي من نصح هؤلاء، فإن الهداية بيد الله.
والله أعلم.