الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنا نهنئك بالاشتغال بدراسة العلم الشرعي، والحفاظ على الصلاة والقيام بأعمال الخير، ونسأل الله تعالى ألا يزيغ قلبك بعد إذ هداك وأن يتقبل منك، وأن يثبتك على الحق ويوفقك للمزيد من فعل أوامره واجتناب نواهيه، والرضى بقدره و أن يفرج عنك، وأن يسهل أمرك، وأن يصلح حالك، إنه سميع مجيب.
ثم إنا نربأ بك وأنت في هذا المستوى المعرفي والتعبدي أن تتهم ربك، الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك وعلمك ما لم تكن تعلم.
ففكر في نفسك وانظر هل حرمك الله من شيء هو لك وأعطاه لغيرك، أم أن الكون كله ملك لله يفعل فيه ما يشاء فيخلق ما يشاء ويهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما.
أما درست أن من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، أنه لا يجب على الله تعالى لعباده شيء، بل هو سبحانه الفاعل المختار والكبير المتعال، وهو عدل حكيم رحيم بالبشرية، وقد دبر أمورهم بحكمة بالغة وعدل، وقسم بينهم أرزاقهم، وله أن يأمر عباده بما شاء، وينهاهم عما شاء، وأن يختار لهم ما شاء، ويعطيهم ما شاء ويمنعهم مما يشاء، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، ولا ملزم يلزمه برعاية مصالح عباده حكيم في تدبيره لأمور خلقه، ويجب على المسلم الرضى بما قدره الله تعالى في ملكه، وأن يتذكر قول الله تعالى: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {الأنبياء:23}. كما قال أحدهم:
ما للعباد عليه حق واجب * كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا * فبفضله وهو الكريم الواسع
ومع هذا فأحكامه وأفعاله كلها جل جلاله لا تخلو عن حكمة بالغة، وعلم واسع، وتنزه عن الظلم، وما ربك بظلام للعبيد {فصلت:46}، ولا يظلم ربك أحدا {الكهف:49}، إن ربك عليم حكيم {يوسف:6}، إن الله بالناس لرؤوف رحيم {البقرة:143}،
واعلم أن الله يبتلي عباده بالمنع كما يبتليهم بالعطاء، هل يشكرون أم لا وهل يصبرون أم لا، كما قال الله تعالى: وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون {الأعراف:168}، وقال: ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون {الأنبياء:35}، وقال جل من قائل: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن {الفجر:15-16}.
أي ما كل من وسعت عليه أكرمته ولا كل من قدرت عليه أكون قد أهنته، بل هذا ابتلاء ليشكر العبد على السراء والضراء، فمن رزق الشكر والصبر فقد رزق الخير كله، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم.
فعليك أخي أن تحسن الظن بالله وترضى بقضائه وتسعى في إصلاح علاقتك به، وننصحك بكثرة تذكر نعم الله وشكرها فإن ذلك سبب المزيد والفلاح، قال الله تعالى: فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون {الأعراف:69}، وقال تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم {إبراهيم:7}.
وداوم على اللجوء إلى الله وسؤاله أن يذهب عنك داء العقم، ولا تقنط بسبب قول الأطباء: إن مرضك قد لا يكون قابلا للعلاج، فقد أذهبه الله عن زوج إبراهيم، وعن امرأة زكريا، وكانت كل منهما في ذلك الوقت عجوزا عقيما وكان زوجها شيخا كبيرا.
فزكريا عليه السلام، لم يمنعه كبر سنه ووهن عظمه، وعقر امرأته من أن يتوجه إلى ربه قائلا: رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا{ مريم:4}
فاستجاب له ربه قائلا: يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا [مريم:7].
وأخبر تعالى عنه في سورة آل عمران أنه قال: رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى (آل عمران: 38- 39).
وقال تعالى في سورة الأنبياء: وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين [الأنبياء:89-90].
فواظب على الدعاء ساعات الإجابة، وادع بالاسم الأعظم ولا تعجل ولا تقنط، بل ثق بوعد الله بالاستجابة، فقد قال تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون {البقرة:186}وقال تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم {غافر:60}
وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل يا رسول الله، وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي فيستحسر ويدع الدعاء.
وفي المسند والسنن عن بريدة قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب.
و الدعاء آخر الليل مظنة للإجابة لما في الحديث: ينزل ربنا سبحانه كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول من يسألني فأعطيه ومن يستغفر لي فأغفر له. متفق عليه.
وبقدر حسن ظن العبد بالله يعامله الله، كما في الحديث القدسي: أنا عند حسن ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيرا فله، وإن ظن بي شرا فله. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني. ولبيان أسباب إجابة الدعاء راجع في ذلك الفتوى رقم: 11571، الفتوى رقم: 71758.
وعليك بالاكثار من الاستغفار، لإخبار الحق عز وجل أنه سبب كبير لتحصيل المال والولد فقال سبحانه حكاية عن نوح عليه السلام أنه قال: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين {نوح: 10-12}.
ومن أعظم الأسباب للشفاء من جميع الأسقام بما فيها العقم قراءة القرآن والرقية به، لأنه شفاء، كما قال ربنا: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين {الإسراء:82} .
وانظر الفتوى رقم: 19900، ولا بأس بقراءة القرآن في الماء ثم الاستحمام به طلبا للشفاء.
هذا ويشرع مع الإكثار من الاستغفار والدعاء، بذل ما تيسر من الأسباب المادية بطلب العلاج ومقابلة واستشارة أهل الاختصاص من الأطباء الآخرين سوى هذا الطبيب الذي قنطك. فإن الله تعالى جعل لكل داء دواء، فقد ثبت في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل.
وقد ثبت أن الأعراب أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أنتداوي؟ قال: تداووا، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم، وصححه الترمذي والحاكم ووافقهم الذهبي والأرناؤوط والألباني.
وفي الحديث: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني والأرناؤوط.
ونؤكد الوصية بعدم اليأس من رحمة الله واستجابة الدعاء، ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل.
ونوصيك بالذهاب إلى مكة كثيرا للعمرة والحج إن تيسر لك، وأكثر من شراب زمزم واقرأ عليه قبل الشرب فاتحة الكتاب، فإن فيهما نفعا عظيما مجربا، كما ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، واستعمل الحبة السوداء والعسل ففيهما شفاء من الأمراض، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 62318، والفتوى رقم: 34521.
ثم إنا نلفت نظرك إلى أن تصرف الله في جعل هذا عقيما وهذا ولودا لا يخلو من حكم، فقد قال الله تعالى: لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور * أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير [الشورى:49-50].
فتأمل هذا التذييل الذي ختم به -سبحانه الآية- في قوله: إنه عليم قدير أي أن هبة الذكور أو هبة الإناث أو المنع من ذلك، كل ذلك تابع لعلمه -سبحانه- وقدرته، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: والمعنى: أن خلقه ما يشاء ليس خلقا مهملا عريا عن الحكمة، لأنه واسع العلم لا يفوته شيء من المعلومات، فخلقه الأشياء يجري على وفق علمه وحكمته. اهـ
فمن عرف أن ربه خالق السماوات والأرض، ومالكها والمتصرف فيها، يعطي لمن يشاء ويمنع عمن يشاء فيرزق من يشاء ذرية إناثا وذكورا ويهب من يشاء ذكورا فقط أو إناثا فقط، ويمنع ذلك عمن يشاء فيجعله عقيما بلا نسل، وأن كل ذلك تابع لعلمه وحكمته، اطمأن قلبه بقضاء الله وقدره وفوض أمره له ورضي بما يختار له مولاه سبحانه، فقد قال الله تعالى: والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة:216}.
وقال جل وعلا: لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير {النور:11}.
وقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين عند كلامه على الرضى: أن منع الله سبحانه وتعالى لعبده المؤمن المحب عطاء وابتلاءه إياه عافية، قال سفيان الثورى: منعه عطاء وذلك: أنه لم يمنع عن بخل ولا عدم وإنما نظر فى خير عبده المؤمن فمنعه اختيارا وحسن نظر.
وهذا كما قال فإنه سبحانه لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرا له ساءه ذلك القضاء أو سره فقضاؤه لعبده المؤمن المنع عطاء وإن كان في صورة المنع ونعمة وإن كانت في صورة محنة وبلاؤه وعافيته وإن كان في صورة بلية ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل وكان ملائما لطبعه ولو رزق من المعرفة حظا وافرا لعد المنع نعمة والبلاء رحمة وتلذذ بالبلاء أكثر من لذته بالعافية وتلذذ بالفقر أكثر من لذته بالغنى وكان في حال القلة أعظم شكرا من حال الكثرة وهذه كانت حال السلف...
فالراضي: هو الذي يعد نعم الله عليه فيما يكرهه أكثر وأعظم من نعمه عليه فيما يحبه كما قال بعض العارفين: يا ابن آدم نعمة الله عليك فيما تكره أعظم من نعمته عليك فيما تحب، وقد قال تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير {البقرة: 216} وقد قال بعض العارفين: ارض عن الله في جميع ما يفعله بك فإنه ما منعك إلا ليعطيك ولا ابتلاك إلا ليعافيك ولا أمرضك إلا ليشفيك ولا أماتك إلا ليحييك فإياك أن تفارق الرضى عنه طرفة عين فتسقط من عينه. اهـ
ثم اعلم أن كثيرا ممن ظاهرهم منعمون هم في الحقيقة مستدرجون بنعم الله وهم لا يشعرون، فلو فكرت في نفسك لعلمت أنك في عافية إذا راقبت المبتلين من حولك ممن فقدوا صحتهم أو بعض أعضائهم أو عقولهم أو عائلهم الوحيد، وإن أعظم الناس بلاء هم الذين استلب إيمانهم ونقص في الله يقينهم فالمؤمن الحقيقي فائز بالظفر بوعد الله بفلاح الدارين، وشارون وغيره من الكفار مبتلون ومصابون بأخطر البلاء ومحرومون من أعظم نعمة وهي نعمة الدين الذي ينال به فلاح الدارين، وراجع في توضيح وأدلة ذلك الفتوى رقم: 76268، و الفتوى رقم: 47005.
وأما ما يظهر لبعض الناس من فوز الكفار بالسعادة فإنما هو من الاستدراج، ففي الحديث: إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون {الأنعام:44} . رواه أحمد والبيهقي في الشعب، والطبراني في الكبير وصححه الألباني.
هذا ويشرع لزوجك أن تطلب الطلاق إذا كانت ترغب في الولد ويجوز لك أن تتكرم عليها بالطلاق كما يجوز أن تشترط عليها أن تفتدي منك وراجع الفتوى رقم: 49015.
فالإنجاب من أهم مقاصد النكاح لتعليل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالنكاح بالمكاثرة كما في الحديث: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه العراقي والألباني.
ثم انه يشرع لك الزواج بغيرها ويحسن إخبارها بموضوعك فإن الأحاديث طافحة بالأوامر بالزواج وبيان فائدته في تحصين الإنسان وإكمال دينه وإعفافه، إضافة إلى فائدة التناسل، ومن ذلك حديث الصحيحين: من استطاع منكم الباءة فليتزوج.... وحديث الحاكم: من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه.
وقد ذكر الفقهاء أن النكاح يندب للراغب فيه إذا كان لا يرجو النسل، وقد ذكر ابن قدامة في المغني أن الإمام أحمد أحب للعقيم أن يبين أمره للزوجة.
وبناء عليه.. فيشرع أن تتزوج توقيا للفتن واتباعا للسنة وتحصينا لنفسك ولزوجك، فيمكن أن تكفل أرملة ذات أيتام، ويمكن أن تكفل أيما لم تعد في سن الإنجاب، أو تجد زوجة عقيما تحتاج لمثلك، ويمكن أن تتزوج امرأة صغيرة في سن الإنجاب وتخبرها بما ذكر الأطباء، كما قال الإمام أحمد حتى لا تكون غاشا لها ثم تتضرعان إلى الله بالدعاء، وهو قادر على أن يعطيكما كما أعطى زكريا ولدا من امرأة عاقر فاستغرب وقال: أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر {آل عمران:40}.
فأجابه الله: كذلك الله يفعل ما يشاء.
وأما كفالة اليتامى فمرغب فيها، ففي الحديث: كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة. رواه مسلم.
وفي الحديث: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله. رواه مسلم.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشتكي قسوة قلبه فقال له: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك. أخرجه الطبراني وصححه الألباني.
ويمكن أن تستعين بمن تثق فيه وتوكله على إيصال النفقة لليتيم في منطقة أخرى.
والله أعلم.