وقوله تعالى :
الذي جعل لكم الأرض فراشا يعني والله أعلم قرارا ، والإطلاق لا يتناولها ، وإنما يسمى به مقيدا ، كقوله تعالى :
والجبال أوتادا وإطلاق اسم الأوتاد لا يفيد الجبال ، وقوله :
الشمس سراجا ولذلك قال الفقهاء : إن من
حلف لا ينام على فراش فنام على الأرض لا يحنث ، وكذلك لو
حلف لا يقعد في سراج فقعد في الشمس ؛ لأن
الأيمان محمولة على المعتاد المتعارف من الأسماء .
وليس في العادة إطلاق هذا الاسم للأرض والشمس .
وهذا كما سمى الله تعالى الجاحد له كافرا ، وسمى الزارع كافرا ، والشاك السلاح كافرا ، ولا يتناولهما هذا الاسم في الإطلاق ، وإنما يتناول الكافر بالله تعالى ، ونظائر ذلك من الأسماء المطلقة والمقيدة كثيرة ، ويجب اعتبارها في كثير من الأحكام ، فما
[ ص: 33 ] كان في العادة مطلقا فهم على إطلاقه ، والمقيد فيها على تقييده ، ولا يتجاوز به موضعه .
وفي هذه الآية دلالة على
توحيد الله تعالى ، وإثبات الصانع الذي لا يشبهه شيء ، القادر الذي لا يعجزه شيء ، وهو ارتفاع السماء ووقوفها بغير عمد ، ثم دوامها على طول الدهر غير متزايلة ولا متغيرة ، كما قال تعالى :
وجعلنا السماء سقفا محفوظا وكذلك ثبات الأرض ووقوفها على غير سند فيه أعظم الدلالة على التوحيد وعلى قدرة خالقها ، وأنه لا يعجزه شيء ، وفيها تنبيه وحث على الاستدلال بها على الله وتذكير بالنعمة .