باب ذكر اختلاف الفقهاء فيمن دخل في صوم المتعة ثم وجد الهدي قال أصحابنا : "
nindex.php?page=treesubj&link=3778_3776إذا وجد الهدي بعد دخوله في الصوم أو بعدما صام قبل أن يحل فعليه الهدي ولا يجزيه غيره " وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : " إذا دخل في الصوم ثم وجد الهدي أجزأه الصوم وليس عليه هدي " وروي مثله عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : " إذا صام يوما ثم أيسر فعليه الهدي ، وإن صام ثلاثة أيام ثم أيسر فليس عليه هدي وليصم السبعة " . والدليل على صحة القول الأول قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ففرض الهدي قائم عليه ما لم يحل أو يمضي أيام النحر التي هي مسنونة للحلق ، فمتى وجده فعليه أن يهدي وبطل صومه .
ومعلوم أن الهدي مشروط للإحلال ؛ لأنه لا يجوز أن يحل قبل ذبح الهدي ، لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمتى لم يحل حتى وجد الهدي فعليه الهدي ؛ لأن الله تعالى لم يفرق في إيجابه الهدي بين حاله قبل دخوله في الصوم وبعده .
ويدل على أن الهدي مشروط للإحلال قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=28ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم فأمرهم بقضاء التفث بعد ذبح الهدي ؛ فإذا كان كذلك وجب أن يراعى وقوع الإحلال ، فإن صام رجل ثم وجد الهدي لم ينتقض صومه ولم يلزمه الهدي لوجود المعنى الذي من أجله شرط الهدي ثم نقل عند عدمه إلى البدل ، وهو بمنزلة المتيمم إذا وجد الماء بعد فراغه من الصلاة ، والعاري إذا وجد ثوبا ، والمظاهر إذا فرغ من الصوم ثم وجد الرقبة ؛ لأن الفرض قد سقط عنه فلا ينتقض حكم المفعول منه .
وأما قبل الفراغ من هذه الأشياء التي ذكرنا فإن حكم البدل مراعى ، فإن تم وفرغ منه فقد وقع موقع البدل وأجزى عن أصل الفرض ، وإن وجد الأصل قبل الفراغ مما شرط له انتقض حكمه وعاد إلى أصل فرضه ، ألا ترى أن دخوله في الصلاة مراعى ومنتظر بها آخرها ؛ لأن ما يفسد آخرها يفسد أولها ؟ فوجب أن يكون حكم التيمم بعد دخوله في الصلاة
[ ص: 371 ] منتظرا مراعى ، وكذلك صوم الظهار إذا دخل فيه فهو مراعى منتظر ؛ ألا ترى أنه لو أفطر فيه يوما انتقض كله وعاد إلى أصل فرضه ؟ كذلك إذا وجد الرقبة وهو في الصوم وجب أن ينتقض صومه عن الظهار ويعود إلى أصل فرضه ، كما لو تيمم ولم يدخل في الصلاة حتى وجد الماء انتقض تيممه ؛ لأنه وقع مراعى على شريطة أن لا يجد الماء حتى يقضي به الفرض .
وزعم بعض المخالفين أنه إذا ابتدأ بصوم الظهار فقد سقط عنه فرض الرقبة لصحة الجزء المفعول ، وكذلك الداخل في الصلاة بالتيمم فقد سقط عنه فرض الطهارة بالماء لهذه الصلاة ، وكذلك إذا دخل في صوم التمتع فقد سقط عنه فرض الهدي ؛ لأن الجزء المفعول منه قد صح ، وفي الحكم بصحة ذلك إسقاط فرض الأصل .
قال : وليس كذلك المتيمم إذا وجد الماء قبل دخوله في الصلاة ؛ لأن التيمم غير مفروض في نفسه وإنما هو مفروض لأجل الصلاة وهو مراعى ، فمتى وجد الماء قبل دخوله في الصلاة بطل تيممه ، والذي في عروض التيمم بعد الدخول دخوله في الصوم .
وهذا الذي قاله شديد الاختلال ظاهر الفساد ؛ لأن الفرض لم يسقط بدخوله في صوم المتعة ولا في صوم الظهار ولا في الصلاة ، بل دخوله مراعى موقوف الحكم على آخره ؛ والدليل عليه أنه متى أفسد باقي الصلاة فسد ما قبله ، وكذلك إذا فسد باقي صوم الظهار فسد ما تقدم منه ، وكذلك لو دخل في صوم المتعة ثم أفسده في أول يوم منه فسد ؛ فإن كان واجدا للهدي لم يجزه الصوم بالاتفاق ، فقوله : " لما حكمنا بصحة الجزء المفعول من البدل سقط عنه فرض الأصل " خطأ ؛ لأن الحكم لم يقع بصحته ، وإنما حكمه أن يكون منتظرا به آخره ، فإن تم مع عدم فرض الأصل ثبت حكمه ، وإن وجد الأصل قبل تمامه بطل حكمه وعاد الأصل إلى فرضه . ومن حيث حكم للمتيمم بحكم الانتظار إلى أن يدخل في الصلاة ، وجب أن يكون حكمه بعد الدخول في الصلاة ؛ لأن الصلاة المفعولة به منتظر بها الفراغ منها ، فوجب أن لا يختلف حكمه في وجود الماء قبل دخوله في الصلاة وبعده ؛ وكذلك سائر ما ذكرنا من صوم التمتع وصوم الظهار ونحوه .
وقالوا جميعا في
nindex.php?page=treesubj&link=12478الصغيرة المدخول بها إذا فارقها زوجها : " إن عدتها الشهور وإنه لا يختلف حكمها عند عدم الحيض في وجوب انتظار عدة الطلاق أو بعده بعد وجوب الشهور في انتقالها إلى الحيض . وكذلك قالوا
nindex.php?page=treesubj&link=213في الماسح على الخفين إذا خرج وقت مسحه وهو في الصلاة أو قبلها وتساوى حكم الحالين من الابتداء والبقاء في منع الصلاة ولزوم غسل الرجلين .
[ ص: 372 ] وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في
nindex.php?page=treesubj&link=683المستحاضة إذا زالت استحاضتها وهي في الصلاة أو قبل دخولها فيها في استواء حكم الحالين في باب المنع منها إلا بعد تجديد الطهارة لها . وذكر بعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن
nindex.php?page=treesubj&link=12574المرأة إذا طلقها زوجها طلاقا رجعيا ثم مات عنها ، كانت عليها عدة الوفاة ؛ لأنها كانت في حكم الزوجات عند الموت ، قال : " فلو أن
nindex.php?page=treesubj&link=12441_12442رجلا كانت تحته أمة وطلقها كانت عليها عدة الأمة ، فإن عتقت وهي في العدة لم تنتقل عدتها إلى عدة الحرة وإن كان زوجها يملك رجعتها " قال : " لأنه لم يحدث هناك شيء يجب به عدة كما حدث الموت في المسألة التي قبلها ، وهو موجب للعدة " ويلزمه على هذا أن لا تنتقل عدة الصغيرة إذا حاضت ؛ لأنه لم يحدث ما يوجب العدة وهو وجود الحيض كما لا يجب العتق كما اقتضاه اعتلاله . قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وسبعة إذا رجعتم
روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء قال : " إن شاء صامهن
بمكة وإن شاء إذا رجع إلى أهله " . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن قال : " إن شاء صام في الطريق وإن شاء إذا رجع إلى أهله " وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي : " يصومهن إذا رجع إلى أهله " . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196إذا رجعتم محتمل للرجوع من
منى وللرجوع إلى أهله ، فهو على أول الرجوعين وهو الرجوع من
منى .
ويدل عليه أن الله حظر صيام أيام التشريق وأباح السبعة بعد الرجوع ، فالأولى أن يكون المراد الوقت الذي أباح فيه الصوم بعد حظره وهو انقضاء أيام التشريق . قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196تلك عشرة كاملة قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : قد قيل فيه وجوه :
منها : أنها كاملة في قيامها مقام الهدي فيما يستحق من الثواب ؛ وذلك لأن الثلاثة قد قامت مقام الهدي في باب جواز الإحلال بها يوم النحر قبل صيام السبعة ، فكان جائزا أن يظن ظان أن الثلاثة قد قامت مقام الهدي في باب استكمال الثواب ، فأعلمنا الله أن العشرة بكمالها هي القائمة مقامه في استحقاق ثوابه وأن الحكم قد تعلق بالثلاثة في جواز الإحلال بها ؛ وفي ذلك أعظم الفوائد في الحث على فعل السبعة والأمر بتعجيلها بعد الرجوع لاستكمال ثواب الهدي .
وقيل فيه : إنه أزال احتمال التخيير وأن تكون " الواو " فيه بمعنى " أو " إذ كانت " الواو " قد تكون في معنى " أو " في بعض المواضع ، فأزال هذا الاحتمال بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196تلك عشرة كاملة وقيل : المعنى تأكيده في نفس المخاطب والدلالة على انقطاع التفصيل في العدد ، كما قال الشاعر :
ثلاث واثنتين فهن خمس وسادسة تميل إلى شمام
[ ص: 373 ] وجعل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي هذا أحد أقسام البيان ، وذكر أنه من البيان الأول ؛ ولم يجعل أحد من أهل العلم ذلك من أقسام البيان ؛ لأن قوله : " ثلاثة وسبعة " غير مفتقر إلى البيان ولا إشكال على أحد فيه ، فجاعله من أقسام البيان مغفل في قوله .
بَابُ ذِكْرِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِيمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ الْمُتْعَةِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ قَالَ أَصْحَابُنَا : "
nindex.php?page=treesubj&link=3778_3776إِذَا وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّوْمِ أَوْ بَعْدَمَا صَامَ قَبْلَ أَنْ يُحِلَّ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَلَا يُجْزِيهِ غَيْرُهُ " وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=12354إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : " إِذَا دَخَلَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ " وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٌ : " إِذَا صَامَ يَوْمًا ثُمَّ أَيْسَرَ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ ، وَإِنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَلْيَصُمِ السَّبْعَةَ " . وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ فَفَرْضُ الْهَدْيِ قَائِمٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُحِلَّ أَوْ يَمْضِي أَيَّامَ النَّحْرِ الَّتِي هِيَ مَسْنُونَةٌ لِلْحَلْقِ ، فَمَتَى وَجَدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ وَبَطَلَ صَوْمُهُ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْهَدْيَ مَشْرُوطٌ لِلْإِحْلَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحِلَّ قَبْلَ ذَبْحِ الْهَدْيِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَتَى لَمْ يُحِلَّ حَتَّى وَجَدَ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ فِي إِيجَابِهِ الْهَدْيَ بَيْنَ حَالِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّوْمِ وَبَعْدَهُ .
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ مَشْرُوطٌ لِلْإِحْلَالِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=28لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ فَأَمَرَهُمْ بِقَضَاءِ التَّفَثِ بَعْدَ ذَبْحِ الْهَدْيِ ؛ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُرَاعَى وُقُوعُ الْإِحْلَالِ ، فَإِنْ صَامَ رَجُلٌ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ لَمْ يَنْتَقِضْ صَوْمُهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْهَدْيُ لِوُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ شُرِطَ الْهَدْيُ ثُمَّ نُقِلَ عِنْدَ عَدَمِهِ إِلَى الْبَدَلِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَيَمِّمِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ ، وَالْعَارِي إِذَا وَجَدَ ثَوْبًا ، وَالْمُظَاهِرِ إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَلَا يَنْتَقِضُ حُكْمُ الْمَفْعُولِ مِنْهُ .
وَأَمَّا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرْنَا فَإِنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ مُرَاعًى ، فَإِنْ تَمَّ وَفَرَغَ مِنْهُ فَقَدْ وَقَعَ مَوْقِعَ الْبَدَلِ وَأَجْزَى عَنْ أَصْلِ الْفَرْضِ ، وَإِنْ وَجَدَ الْأَصْلَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِمَّا شُرِطَ لَهُ انْتَقَضَ حُكْمُهُ وَعَادَ إِلَى أَصْلِ فَرْضِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ دُخُولَهُ فِي الصَّلَاةِ مُرَاعًى وَمُنْتَظَرٌ بِهَا آخِرُهَا ؛ لِأَنَّ مَا يُفْسِدُ آخِرَهَا يُفْسِدُ أَوَّلَهَا ؟ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ التَّيَمُّمِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ
[ ص: 371 ] مُنْتَظَرًا مُرَاعًى ، وَكَذَلِكَ صَوْمُ الظِّهَارِ إِذَا دَخَلَ فِيهِ فَهُوَ مُرَاعًى مُنْتَظَرٌ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا انْتَقَضَ كُلُّهُ وَعَادَ إِلَى أَصْلِ فَرْضِهِ ؟ كَذَلِكَ إِذَا وَجَدَ الرَّقَبَةَ وَهُوَ فِي الصَّوْمِ وَجَبَ أَنْ يَنْتَقِضَ صَوْمُهُ عَنِ الظِّهَارِ وَيَعُودَ إِلَى أَصْلِ فَرْضِهِ ، كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى وَجَدَ الْمَاءَ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ مُرَاعًى عَلَى شَرِيطَةِ أَنْ لَا يَجِدَ الْمَاءَ حَتَّى يَقْضِيَ بِهِ الْفَرْضَ .
وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ أَنَّهُ إِذَا ابْتَدَأَ بِصَوْمِ الظِّهَارِ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الرَّقَبَةِ لِصِحَّةِ الْجُزْءِ الْمَفْعُولِ ، وَكَذَلِكَ الدَّاخِلُ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ ، وَكَذَلِكَ إِذَا دَخَلَ فِي صَوْمِ التَّمَتُّعِ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْهَدْيِ ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْمَفْعُولَ مِنْهُ قَدْ صَحَّ ، وَفِي الْحُكْمِ بِصِحَّةِ ذَلِكَ إِسْقَاطُ فَرْضِ الْأَصْلِ .
قَالَ : وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُتَيَمِّمُ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمِ غَيْرُ مَفْرُوضٍ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَفْرُوضٌ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُرَاعًى ، فَمَتَى وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ ، وَالَّذِي فِي عُرُوضِ التَّيَمُّمِ بَعْدَ الدُّخُولِ دُخُولُهُ فِي الصَّوْمِ .
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَدِيدُ الِاخْتِلَالِ ظَاهِرُ الْفَسَادِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَمْ يَسْقُطْ بِدُخُولِهِ فِي صَوْمِ الْمُتْعَةِ وَلَا فِي صَوْمِ الظِّهَارِ وَلَا فِي الصَّلَاةِ ، بَلْ دُخُولُهُ مُرَاعًى مَوْقُوفُ الْحُكْمِ عَلَى آخِرِهِ ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى أَفْسَدَ بَاقِيَ الصَّلَاةِ فَسَدَ مَا قَبْلَهُ ، وَكَذَلِكَ إِذَا فَسَدَ بَاقِي صَوْمِ الظِّهَارِ فَسَدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ فِي صَوْمِ الْمُتْعَةِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ فَسَدَ ؛ فَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلْهَدْيِ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ بِالِاتِّفَاقِ ، فَقَوْلُهُ : " لَمَّا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الْجُزْءِ الْمَفْعُولِ مِنَ الْبَدَلِ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْأَصْلِ " خَطَأٌ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَقَعْ بِصِحَّتِهِ ، وَإِنَّمَا حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَظِرًا بِهِ آخِرُهُ ، فَإِنْ تَمَّ مَعَ عَدَمِ فَرْضِ الْأَصْلِ ثَبَتَ حُكْمُهُ ، وَإِنْ وَجَدَ الْأَصْلَ قَبْلَ تَمَامِهِ بَطَلَ حُكْمُهُ وَعَادَ الْأَصْلُ إِلَى فَرْضِهِ . وَمِنْ حَيْثُ حُكِمَ لِلْمُتَيَمِّمِ بِحُكْمِ الِانْتِظَارِ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمَفْعُولَةَ بِهِ مُنْتَظَرٌ بِهَا الْفَرَاغُ مِنْهَا ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حُكْمُهُ فِي وُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ وَبَعْدَهُ ؛ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ صَوْمِ التَّمَتُّعِ وَصَوْمِ الظِّهَارِ وَنَحْوِهِ .
وَقَالُوا جَمِيعًا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=12478الصَّغِيرَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا إِذَا فَارَقَهَا زَوْجُهَا : " إِنَّ عِدَّتَهَا الشُّهُورُ وَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَيْضِ فِي وُجُوبِ انْتِظَارِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الشُّهُورِ فِي انْتِقَالِهَا إِلَى الْحَيْضِ . وَكَذَلِكَ قَالُوا
nindex.php?page=treesubj&link=213فِي الْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذَا خَرَجَ وَقْتُ مَسْحِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَهَا وَتَسَاوَى حُكْمُ الْحَالَيْنِ مِنَ الِابْتِدَاءِ وَالْبَقَاءِ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ وَلُزُومِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ .
[ ص: 372 ] وَكَذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=683الْمُسْتَحَاضَةِ إِذَا زَالَتْ اسْتِحَاضَتُهَا وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ دُخُولِهَا فِيهَا فِي اسْتِوَاءِ حُكْمِ الْحَالَيْنِ فِي بَابِ الْمَنْعِ مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ تَجْدِيدِ الطَّهَارَةِ لَهَا . وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=12574الْمَرْأَةَ إِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا ، كَانَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، قَالَ : " فَلَوْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=12441_12442رَجُلًا كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ وَطَلَّقَهَا كَانَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْأَمَةِ ، فَإِنْ عُتِقَتْ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَنْتَقِلْ عِدَّتُهَا إِلَى عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا " قَالَ : " لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ هُنَاكَ شَيْءٌ يَجِبُ بِهِ عِدَّةٌ كَمَا حَدَثَ الْمَوْتُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ " وَيَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا تَنْتَقِلَ عِدَّةُ الصَّغِيرَةِ إِذَا حَاضَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ مَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ وَهُوَ وُجُودُ الْحَيْضِ كَمَا لَا يَجِبُ الْعِتْقُ كَمَا اقْتَضَاهُ اعْتِلَالُهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ
رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٍ قَالَ : " إِنْ شَاءَ صَامَهُنَّ
بِمَكَّةَ وَإِنْ شَاءَ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ " . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ قَالَ : " إِنْ شَاءَ صَامَ فِي الطَّرِيقِ وَإِنْ شَاءَ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ " وَكَذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيُّ : " يَصُومُهُنَّ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ " . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196إِذَا رَجَعْتُمْ مُحْتَمِلٌ لِلرُّجُوعِ مِنْ
مِنًى وَلِلرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِهِ ، فَهُوَ عَلَى أَوَّلِ الرُّجُوعَيْنِ وَهُوَ الرُّجُوعُ مِنْ
مِنًى .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ حَظَرَ صِيَامَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَبَاحَ السَّبْعَةَ بَعْدَ الرُّجُوعِ ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْوَقْتَ الَّذِي أَبَاحَ فِيهِ الصَّوْمَ بَعْدَ حَظْرِهِ وَهُوَ انْقِضَاءُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ . قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : قَدْ قِيلَ فِيهِ وُجُوهٌ :
مِنْهَا : أَنَّهَا كَامِلَةٌ فِي قِيَامِهَا مُقَامَ الْهَدْيِ فِيمَا يُسْتَحَقُّ مِنَ الثَّوَابِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ قَدْ قَامَتْ مُقَامَ الْهَدْيِ فِي بَابِ جَوَازِ الْإِحْلَالِ بِهَا يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ صِيَامِ السَّبْعَةِ ، فَكَانَ جَائِزًا أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الثَّلَاثَةَ قَدْ قَامَتْ مُقَامَ الْهَدْيِ فِي بَابِ اسْتِكْمَالِ الثَّوَابِ ، فَأَعْلَمَنَا اللَّهُ أَنَّ الْعَشَرَةَ بِكَمَالِهَا هِيَ الْقَائِمَةُ مُقَامَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ ثَوَابِهِ وَأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَعَلَّقَ بِالثَّلَاثَةِ فِي جَوَازِ الْإِحْلَالِ بِهَا ؛ وَفِي ذَلِكَ أَعْظَمُ الْفَوَائِدِ فِي الْحَثِّ عَلَى فِعْلِ السَّبْعَةِ وَالْأَمْرُ بِتَعْجِيلِهَا بَعْدَ الرُّجُوعِ لِاسْتِكْمَالِ ثَوَابِ الْهَدْيِ .
وَقِيلَ فِيهِ : إِنَّهُ أَزَالَ احْتِمَالَ التَّخْيِيرِ وَأَنْ تَكُونَ " الْوَاوُ " فِيهِ بِمَعْنَى " أَوْ " إِذْ كَانَتْ " الْوَاوُ " قَدْ تَكُونُ فِي مَعْنَى " أَوْ " فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ، فَأَزَالَ هَذَا الِاحْتِمَالَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ وَقِيلَ : الْمَعْنَى تَأْكِيدُهُ فِي نَفْسِ الْمُخَاطَبِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى انْقِطَاعِ التَّفْصِيلِ فِي الْعَدَدِ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
ثَلَاثٌ وَاثْنَتَيْنِ فَهُنَّ خَمْسٌ وَسَادِسَةٌ تَمِيلُ إِلَى شِمَامِ
[ ص: 373 ] وَجَعَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ هَذَا أَحَدَ أَقْسَامِ الْبَيَانِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مِنَ الْبَيَانِ الْأَوَّلِ ؛ وَلَمْ يَجْعَلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيَانِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : " ثَلَاثَةٌ وَسَبْعَةٌ " غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إِلَى الْبَيَانِ وَلَا إِشْكَالَ عَلَى أَحَدٍ فِيهِ ، فَجَاعِلُهُ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيَانِ مُغَفَّلٌ فِي قَوْلِهِ .