وروي عن عن عكرمة في قوله تعالى : ابن عباس إن الصفا والمروة من شعائر الله قال : كان على الصفا تماثيل وأصنام وكان المسلمون لا يطوفون عليها لأجل الأصنام والتماثيل ، فأنزل الله تعالى : فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال : كان السبب في نزول هذه الآية عند أبو بكر سؤال من كان لا يطوف بهما في الجاهلية لأجل إهلاله لمناة ، وعلى ما ذكر عائشة ابن عباس وأبو بكر بن عبد الرحمن أن ذلك كان لسؤال من كان يطوف بين الصفا والمروة ، وقد كان عليهما الأصنام ، فتجنب الناس الطواف بهما بعد الإسلام .
وجائز أن يكون سبب نزول هذه الآية سؤال الفريقين .
وقد ، فروى اختلف في السعي بينهما عن أبيه ، هشام بن عروة وأيوب عن ، جميعا عن ابن أبي مليكة قالت : عائشة ما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرئ حجا ولا عمرة ما لم يطف بين الصفا والمروة . وذكر عن أبو الطفيل : ابن عباس أن السعي بينهما سنة وأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله .
وروى عن عاصم الأحول قال : " كنا نكره الطواف بين أنس الصفا والمروة حتى نزلت هذه الآية ، والطواف بينهما تطوع " . وروي عن عن عطاء قال : " من شاء لم يطف بين ابن الزبير الصفا والمروة " . وروي عن عطاء : " إن من تركه فلا شيء عليه " وقد اختلف فقهاء الأمصار في ذلك ، فقال أصحابنا ومجاهد والثوري : " إنه واجب في الحج والعمرة وتركه يجزي عنه الدم " . ومالك
وقال : " لا يجزي عنه الدم إذا تركه وعليه أن يرجع فيطوف " قال الشافعي : هو عند أصحابنا من توابع الحج يجزي عنه الدم لمن رجع إلى أهله مثل الوقوف أبو بكر بالمزدلفة ورمي الجمار وطواف الصدر .
والدليل على أنه ليس من فروضه قوله عليه السلام [ ص: 119 ] في حديث عن الشعبي عروة بن مضرس الطائي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة فقلت : يا رسول الله جئت من جبل طيئ ما تركت جبلا إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : عرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه . فهذا القول منه صلى الله عليه وسلم ينفي كون السعي بين من صلى معنا هذه الصلاة ووقف معنا هذا الموقف وقد أدرك الصفا والمروة فرضا في الحج من وجهين :
أحدهما : إخباره بتمام حجته وليس فيه السعي بينهما .
والثاني : أن ذلك لو كان من فروضه لبينه للسائل لعلمه بجهله بالحكم .
فإن قيل : لم يذكر طواف الزيارة مع كونه من فروضه قيل له : ظاهر اللفظ يقتضي ذلك ، وإنما أثبتناه فرضا بدلالة .
فإن قيل : فهذا يوجب أن لا يكون مسنونا ويكون تطوعا ، كما روي عن أنس قيل له : كذلك يقتضي ظاهر اللفظ ، وإنما أثبتناه مسنونا في توابع الحج بدلالة . وابن الزبير
ومما يحتج به لوجوبه أن فرض الحج مجمل في كتاب الله ؛ لأن الحج في اللغة القصد ، قال الشاعر :
يحج مأمومة في قعرها لجف
يعني أنه يقصد ثم نقل في الشرع إلى معان أخر لم يكن اسما موضوعا لها في اللغة وهو مجمل مفتقر إلى البيان فمهما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو بيان للمراد بالجملة .وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا ورد مورد البيان فهو على الوجوب ، فلما سعى بينهما النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك دلالة الوجوب حتى تقوم دلالة الندب .
ومن جهة أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وذلك أمر يقتضي إيجاب الاقتداء به في سائر أفعال المناسك ، فوجب الاقتداء به في السعي بينهما . وقد روى خذوا عني مناسككم عن طارق بن شهاب قال : أبي موسى بالبطحاء فقال : بم أهللت ؟ فقلت : أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أحسنت طف بالبيت والصفا والمروة ثم أحل فأمره بالسعي بينهما ، وهذا أمر يقتضي الإيجاب . وقد روي فيه حديث مضطرب السند والمتن جميعا مجهول الراوي ، وهو ما رواه قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عن معمر واصل مولى أبي عيينة ، عن موسى بن أبي عبيد ، عن ، صفية بنت شيبة الصفا والمروة يقول : كتب عليكم السعي فاسعوا فذكرت في هذا الحديث أنها سمعته يقول ذلك بين الصفا والمروة ولم تذكر اسم الراوية . وقد روى عن امرأة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بين محمد بن عبد الرحمن بن محيصن عن قال : حدثتني عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة حبيبة بنت أبي تجزءة قالت : دخلت دار أبي حسين ومعي نسوة من قريش والنبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت حتى إن ثوبه ليدور به وهو يقول لأصحابه : اسعوا فإن الله تعالى قد كتب عليكم السعي [ ص: 120 ] فذكر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك وهو في الطواف ، فظاهر ذلك يقتضي أن يكون مراده السعي في الطواف وهو الرمي والطواف نفسه ؛ لأن المشي يسمى سعيا ، قال الله تعالى : امرأة يقال لها فاسعوا إلى ذكر الله وليس المراد إسراع المشي ، وإنما هو المصير إليه .
والخبر الأول الذي ذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك وهو يسعى بين الصفا والمروة لا دلالة فيه على أنه أراد السعي بينهما ؛ إذ جائز أن يكون مراده الطواف بالبيت والرمي فيه ، وهو سعي لأنه إسراع المشي .
وأيضا فإن ظاهره يقتضي جواز أي سعي كان ، وهو إذا رمل فقد سعى ، ووجوب التكرار لا دلالة عليه .
فالأخبار الأول التي ذكرناها دالة على وجوب السعي لأنه سنة لا ينبغي تركها ، ولا دلالة فيها على أن من تركها لا ينوب عنه دم ، والدليل على أن الدم ينوب عنه لمن تركه حتى يرجع إلى أهله اتفاق السلف على جواز السعي بعد الإحلال من جميع الإحرام كما يصح الرمي وطواف الصدر ، فوجب أن ينوب عنه الدم كما ناب عن الرمي وطواف الصدر .
فإن قيل طواف الزيارة يفعل بعد الإحلال ولا ينوب عنه الدم قيل له : ليس كذلك لأن بقاء طواف الزيارة يوجب كونه محرما عن النساء ، وإذا طاف فقد حل له كل شيء بلا خلاف بين الفقهاء ، وليس لبقاء السعي تأثير في بقاء شيء من الإحرام كالرمي وطواف الصدر فإن قال قائل : فإن يقول : إذا طاف للزيارة لم يحل من النساء وكان حراما حتى يسعى الشافعي بالصفا والمروة قيل له : قد اتفق الصدر الأول من التابعين والسلف بعدهم أنه يحل بالطواف بالبيت ؛ لأنهم على ثلاثة أقاويل بعد الحلق ، فقال قائلون : هو محرم من اللباس والصيد والطيب حتى يطوف بالبيت وقال : هو محرم من النساء والطيب . عمر بن الخطاب
وقال وغيره : هو محرم من النساء حتى يطوف فقد اتفق ابن عمر السلف على أنه بين يحل من النساء بالطواف بالبيت دون السعي الصفا والمروة . وأيضا فإن السعي بينهما لا يفعل إلا تبعا للطواف ، ألا ترى أن من لا طواف عليه لا سعي عليه ، وأنه لا يتطوع بالسعي بينهما كما لا يتطوع بالرمي ؟ فدل على أنه من توابع الحج والعمرة .
فإن قيل : الوقوف بعرفة لا يفعل إلا بعد الإحرام ، وطواف الزيارة لا يفعل إلا بعد الوقوف ، وهما من فروض الحج قيل له : لم نقل إن من لا يفعل إلا بعد غيره فهو تبع فيلزمنا ما ذكرت ، وإنما قلنا : ، فأما الوقوف ما لا يفعل إلا على وجه التبع لأفعال الحج أو العمرة فهو تابع ليس بفرض بعرفة فإنه غير مفعول على وجه التبع لغيره بل يفعل منفردا [ ص: 121 ] بنفسه ، ولكن شيئان : الإحرام والوقت ، وما كان شرطه الإحرام أو الوقت فلا دلالة على أنه مفعول على وجه التبع ، وكذلك ما تعلق جوازه بوقت دون غيره فلا دلالة فيه على أنه تبع فرض غيره . وطواف الزيارة إنما يتعلق جوازه بالوقت . من شروطه
والوقوف بعرفة إنما يتعلق جوازه بالإحرام والوقت وليس صحته موقوفة على وقوع فعل آخر غير الإحرام ، فليس هو إذا تبعا لغيره .
وأما السعي بين الصفا والمروة فإنه مع حضور وقته هو موقوف على فعل آخر غيره وهو الطواف ، فدل على أنه من توابع الحج والعمرة وأنه ليس بفرض ، فأشبه طواف الصدر لما كانت صحته موقوفة على طواف الزيارة كان تبعا في الحج ينوب عن تركه دم وقوله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله قد دل على أنه قربة لأن الشعائر هي معالم الطاعات والقرب ، وهو مأخوذ من الإشعار الذي هو الإعلام ، ومن ذلك قولك شعرت بكذا وكذا أي علمته . ومنه إشعار البدنة أي إعلامها للقربة ، وشعار الحرب علاماتها التي يتعارفون بها فالشعائر هي المعالم للقرب
قال الله تعالى : ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب وشعائر الحج معالم نسكه ، ومنه المشعر الحرام فقد دلت الآية بفحواها على أن السعي بينهما قربة إلى الله تعالى في قوله : من شعائر الله ثم قوله : فلا جناح عليه أن يطوف بهما فقد أخبرت وغيرها أنه خرج مخرج الجواب لمن سأل عنهما ، وأن ظاهر هذا اللفظ لم ينف إرادة الوجوب وإن لم يدل عليه وقد قامت الدلالة من غير الآية على وجوبه وهو ما قدمنا ذكره . عائشة
وقد اختلف أهل العلم في ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أخبار مختلفة ، ومذهب أصحابنا أن السعي فيه مسنون لا ينبغي تركه كالرمي في الطواف . السعي في بطن الوادي
وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن : أن جابر . النبي صلى الله عليه وسلم لما تصوبت قدماه في الوادي سعى حتى خرج منه
وروى عن سفيان بن عيينة صدقة قال : : أرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمل بين ابن عمر الصفا والمروة ؟ قال : كان في الناس فرملوا ولا أراهم فعلوا إلا برمله وقال سئل : " كان نافع يسعى في بطن الوادي " . ابن عمر
وروى " أن مسروق سعى في بطن الوادي " . عبد الله بن مسعود
وروى عن عطاء قال : " من شاء يسعى بمسيل ابن عباس مكة ومن شاء لم يسع " وإنما يعني الرمل في بطن الوادي .
وروى قال : سعيد بن جبير يمشي بين ابن عمر الصفا والمروة وقال : إن مشيت فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ، وإن سعيت فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى . رأيت
وروى عمرو عن عن [ ص: 122 ] عطاء قال : ابن عباس الصفا والمروة ليري المشركين قوته فأتيت فقال سعى النبي صلى الله عليه وسلم في بطن الوادي ابن عباس وذكر السبب الذي من أجله فعل ذلك وهو إظهار الجلد والقوة للمشركين ، وتعلق فعله بهذا السبب لا يمنع كونه سنة مع زواله على نحو ما ذكرنا في الرمل في الطواف فيما تقدم . وقد ذكرنا أن السبب في رمي الجمار كان رمي إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين إبراهيم عليه السلام إبليس لما عرض له بمنى ، وصار سنة بعد ذلك .
وكذلك كان سبب الرمل في الوادي أن هاجر لما طلبت الماء لابنها إسماعيل وجعلت تتردد بين الصفا والمروة فكانت إذا نزلت الوادي غاب الصبي عن عينها ، فأسرعت المشي .
وروى عن أبو الطفيل : أن ابن عباس إبراهيم عليه السلام لما علم المناسك عرض له الشيطان عند المسعى فسبقه إبراهيم ، فكان ذلك سبب سرعة المشي هناك . وهو سنة كنظائره مما وصفنا .
والرمل في بطن الوادي في الطواف بين الصفا والمروة مما قد نقلته الأمة قولا وفعلا ولم يختلف في أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ، وإنما اختلف في كونه مسنونا بعده ، وظهور نقله فعلا إلى هذه الغاية دلالة على بقاء حكمه على ما قدمنا من الدلالة والله تعالى أعلم .