وقوله تعالى :
وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار يدل على أن البشارة هي الخبر السار ، والأظهر والأغلب أن إطلاقه يتناول من الأخبار ما يحدث عنده الاستبشار والسرور وإن كان قد يجري على غيره مقيدا كقوله
فبشرهم بعذاب أليم وكذلك قال أصحابنا فيمن
قال : " أي عبد بشرني بولادة فلانة فهو حر " فبشروه جماعة واحدا بعد واحد ؛ أن الأول يعتق دون غيره ؛ لأن البشارة حصلت بخبره دون غيره .
ولم يكن هذا عندهم بمنزلة ما لو
قال : " أي عبد أخبرني بولادتها " ؛ فأخبروه واحدا بعد واحد أنهم يعتقون جميعا ؛ لأنه عقد اليمين على خبر مطلق فيتناول سائر المخبرين ، وفي البشارة عقدها على خبر مخصوص بصفة وهو ما يحدث عنده السرور والاستبشار ويدل على أن موضوع هذا الخبر ما وصفنا .
قولهم : رأيت البشر في وجهه ؛ يعني الفرح والسرور قال الله في صفة وجوه أهل الجنة
وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة فأخبر عما ظهر في وجوههم من آثار السرور والفرح بذكر الاستبشار ، ومنه سموا الرجل بشيرا تفاؤلا منهم إلى الإخبار بالخير دون الشر وسموا ما يعطى البشير على هذا الخبر بشرى ، وهذا يدل على أن الإطلاق يتناول الخبر المفيد سرورا فلا ينصرف إلى غيره إلا بدلالة ، وأنه متى أطلق في الشر فإنما يراد به الخبر فحسب ، وكذلك قوله تعالى
فبشرهم بعذاب أليم معناه أخبرهم ويدل على ما وصفنا من أن البشير هو المخبر الأول فيما ذكرنا من حكم اليمين قولهم : " ظهرت لنا تباشير هذا الأمر " يعنون أوله ، ولا يقولون ذلك في الشر وفيما يغم .
وإنما يقولونه فيما يسر ويفرح ومن الناس من يقول إن أصله فيما يسر ويغم ؛ لأن معناه ما يظهر أولا في بشرة الوجه من سرور أو غم ، إلا أنه كثر فيما يسر فصار الإطلاق أخص به منه بالشر .