وقوله تعالى :
وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين يدل على أنه علم الأسماء كلها
لآدم ، أعني الأجناس بمعانيها لعموم اللفظ في ذكر الأسماء وقوله :
ثم عرضهم على الملائكة فيه دلالة على أنه أراد أسماء ذريته على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14354الربيع بن أنس ، إلا أنه قد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد أنه علمه أسماء جميع الأشياء وظاهر اللفظ يوجب ذلك .
فإن قيل : لما قال
عرضهم دل على أنه أسماء من يعقل ؛ لأن " هم " إنما يطلق فيما يعقل دون ما لا يعقل .
قيل له : لما أراد ما يعقل وما لا يعقل جاز تغليب اسم ما يعقل ، كقوله تعالى :
[ ص: 37 ] خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع لما دخل في الجملة من يعقل أجرى الجميع مجرى واحدا .
وهذه الآية تدل على أن أصول اللغات كلها توقيف من الله تعالى
لآدم عليه السلام عليها على اختلافها ، وأنه علمه إياها بمعانيها إذ لا فضيلة في معرفة الأسماء دون المعاني .
وهي دلالة على
شرف العلم وفضيلته ؛ لأنه تعالى لما أراد إعلام الملائكة فضيلة
آدم علمه الأسماء بمعانيها حتى أخبر الملائكة بها ولم تكن الملائكة علمت منها ما علمه
آدم فاعترفت له بالفضل في ذلك ومن الناس من يقول إن لغة
آدم وولده كانت واحدة إلى زمان الطوفان ، فلما أغرق الله تعالى أهل الأرض وبقي من نسل
نوح من بقي وتوفي
نوح عليه السلام وتوالدوا وكثروا ، أرادوا بناء صرح
ببابل يمتنعون به من الطوفان ؛ أن كان بلبل الله ألسنتهم فنسي كل فرقة منهم اللسان الذي كان عليه ، وعلمها الله الألسنة التي توارثها بعد ذلك ذريتهم عنهم ، وتفرقوا في البلدان وانتشروا في الأرض ومن الناس من يأبى ذلك ويقول : لا يجوز أن ينسى إنسان كامل العقل جميع لغته التي كان يتكلم بها بالأمس ، وإنهم قد كانوا عارفين بجميع اللغات إلى أن تفرقوا ، فاقتصر كل أمة منهم على اللسان الذي هم عليه اليوم وتركوا سائر الألسنة التي كانوا عرفوها ولم تأخذها عنهم أولادهم ونسلهم ، فلذلك لم يعرف من نشأ بعدهم سائر اللغات .