فصل : وإذا
عدمت المرأة وليا مناسبا وكانت في بلد لا حاكم فيه وأرادت نكاح زوج ، ففيه وجهان :
أحدهما : ليس لها أن تنكح حتى تجد وليا بحكم أو بنسب : كما عدمت الشهود لم يجز أن تتزوج حتى تجد الشهود .
والوجه الثاني : أن يجوز للضرورة أن تتزوج : لأن الولي يراد لنفي العار عنه بتزويج غير الكفء ، فإذا عدم زال معناه وخالف الشهود المعقود بهم الاستيثاق لحفظ الأنساب ، فعلى هذا إذا جوز لها التزويج ، ففيه وجهان :
أحدهما : أنها تتولاه بنفسها : لأن فقد الولي قد أسقط حكمه .
والوجه الثاني : أنها تولي أمرها رجلا يكون بدلا من وليها حتى لا يخلو العقد من عدده ، ويحتمل تخريج هذين الوجهين من اختلاف قوليه في الخصمين إذا حكما رجلا هل يلزمهما حكمه كلزوم الحاكم ؟ والله أعلم .
مسألة : قال
الشافعي : " ولا ولاية لوصي لأن عارها لا يلحقه " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال :
[ ص: 51 ] إذا وصى الأب بتزويج بنته لم يكن لوصيه أن يزوجها ، صغيرة كانت أم كبيرة ، عين له على الزوج أو لم يعين ، ولا يزوجها إن كانت صغيرة إلا أن يعين له على الزوج .
وقال
أبو ثور : يزوجها الوصي بكل حال استدلالا على ذلك بأمرين :
أحدهما : أن للأب ولاية على مالها ونكاحها فلما جاز أن يوصي بالولاية على مالها ، جاز أن يوصي بالولاية على نكاحها .
والثاني : أنه لما جاز للأب أن يستنيب في حياته وكيلا جاز له أن يستنيب بعد موته وصيا كالمال ، وهذا غير صحيح : لقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923852لا نكاح إلا بولي وليس الوصي وليا ، ولرواية
nindex.php?page=hadith&LINKID=923871عبد الله بن عمر قال : زوجني خالي قدامة بن مظعون بابنة أخيه عثمان بن مظعون ، فمضى المغيرة إلى أمها وأرغبها في المال فمالت إليه وزهدت في ، فأتى قدامة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أنا عمها ووصي أبيها وما نقموا من ابن عمر إلا أنه لا مال له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنها يتيمة وإنها لا تنكح إلا بإذنها " ، فرد نكاحه مع كونه وصيا من غير أن يستبرئ حال صغرها وكبرها ولا هل عين الأب على الزوج أم لا ؟ فدل على أن النكاح إنما يجاز له : لأن الوصي لا ولاية له ، ولأن ولاية النكاح قد انتقلت بموت الأب إلى من يستحقها بنفسه من العصبات ، فصار موصى فيما غيره أحق به ، فكان مردود الوصية كما وصى بالولاية على مال أطفاله ولهم جد إلى غيره بطلت وصيته ، كذلك هذا .
وتحريره قياسا : أنها ولاية قد انتقلت من غير تولية ، فلم يجز نقلها بالوصية كالولاية على المال مع وجود الجد ، وفي هذا انفصال عما ذكره من الوصية بالمال : ولأن العصبة إنما اختصوا بالولاية في نكاحها لما يلحقهم من عارها بنكاحها غير كفء ، فصار حق الولاية بينهم مشتركا لرفع العار عنهم وعنها ، وهذا المعنى معدوم في الوصي الذي لا يلحقه عارها ، فلم نثبت ولايته لفقد معناها ، وليس كالوكيل الذي هو نائب غير مستحق لها وهو من ورائه مراع لنفي العار عنه وعنها .