الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو كان المولى عليه يحتاج إلى النكاح زوجه وليه ، فإن أذن له فجاوز مهر مثلها رد الفضل " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : المولى عليه بالسفه ممنوع من التزويج إلا بإذن وليه : لأن الحجر يمنع من التصرف في العقود ، فإن لم يكن به إلى النكاح حاجة لم يجز له أن يتزوج ، ولا لوليه أن يزوجه لما فيه من التزام المهر والنفقة لغير حاجة ، وإن كان به إلى النكاح حاجة ، إما بأن يرى يتوثب على النساء لفرط الشهوة ، وإما بأن يحتاج إلى خادم ، وخدمة النساء له أرفق به ، فيجوز لوليه أن يزوجه : لأنه مندوب إلى القيام بمصالحه التي هذا منها ، وليصده بذلك عن مواقعة الزنا الموجب للحد والمأثم ، وإذا كان كذلك فوليه بالخيار بين أن يزوجه بنفسه وبين أن يأذن له في التزويج ، فإن زوجه الولي جاز أن يعقد له النكاح على من يختارها له من الأكفاء ، [ ص: 71 ] ولا يلزمه استئذانه فيه : لأن ذلك من جملة مصالحه التي لا تقف على إذنه ، كما لا تقف على إذن ما عقده من بيع وشراء ، ولا يزيد المنكوحة على مهر مثلها ، كما لا يزيد في عقود أمواله على أعواض أمثالها ، فإن زوجه بأكثر من مهر المثل ، كانت الزيادة مردودة ، ولا تجب في مال السفيه ولا على وليه ، وإن أذن له الولي في التزويج ليتولاه السفيه بنفسه جاز .

                                                                                                                                            فإن قبل فهلا منع من مباشرة العقد بنفسه و لم يصح منه مع إذن وليه ، كما لم يصح منه عقد البيع ، وإن أذن فيه وليه ؟ .

                                                                                                                                            قيل : الفرق بين النكاح حيث صح منه أن يعقده بإذن الولي وبين البيع حيث لم يصح منه أن يعقده ، وإن أذن فيه الولي من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المقصود بالحجر عليه حفظ المال دون النكاح ، فذلك لم يصح منه العقد في المال ، وصح منه العقد في النكاح .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما صح منه رفع النكاح بالخلع والطلاق من غير إذن ، فأولى أن يصح منه عقد النكاح بإذن ، ولما لم يصح منه إنزاله ملكه عن الأقوال بالعتق والهبة بإذن ولا غير إذن ، لم يصح منه عقود الأموال كلها بإذن ولا غير إذن .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية