الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبح الخوف ملازماً لي بعد نوبة هلع أيقظتني من النوم!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكركم على جهودكم المتواصلة في مساعدة المتصفحين، وجزاكم الله خيرًا على ما تقدمونه من دعمٍ بعد الله سبحانه وتعالى.

مشكلتي بدأت منذ سنة وثلاثة أشهر، حيث استيقظت من النوم وأنا أشعر وكأن المنية قد اقتربت، وراودني خفقان في القلب وضيق في التنفس، ومنذ تلك اللحظة تبدَّلت حياتي، وأصبحتُ أشعر بالخوف كلما خرجت من البيت، وأقول في نفسي: سيصيبني شيء ما.

كذلك ينتابني صداع عندما أكون خارج المنزل، وعند عودتي تخف الأعراض تدريجيًا، وأحيانًا أقول لأصدقائي: "الآن سأجيء إليكم"، فإذا بي أشعر بخفقان وغثيان وآلام في الصدر؛ مما يجعلني أتردد وأخاف من الخروج.

وعندما أذهب إلى الحلاق، أشعر في البداية بالارتياح، ثم فجأة أرغب في إنهاء الأمر بسرعة، وفي صلاة الجمعة، ينتابني شعور بالرغبة في الخروج من المسجد، وأحيانًا عندما يكون الناس خلفي في الصلاة أشعر بعدم الارتياح وأرغب في الانسحاب، كما أني أعاني من صعوبة في البلع، ويصاحبني القلق طوال الوقت.

ذهبت إلى الطبيب وطلبت منه فحص القلب بالسماعة، فأخبرني أن الفحص جيد، ولكن الخوف لا يزال يلازمني، ومعه صداع، وأحيانًا تأتيني هذه الأعراض حتى وأنا في البيت.

قمت بإجراء التحاليل، و-الحمد لله- جميع النتائج كانت مطمئنة: الدم، الكبد، الكلى، حتى تحليل البراز، باستثناء ارتفاع بسيط في نسبة البروتين.

فما أسباب هذه الأعراض؟ أرجو منكم مساعدتي في إيجاد علاج بدون أدوية، فأنا إنسان إذا سمعت عن مرض أو وفاة، ينتابني الخوف وتراودني أفكار مزعجة، أرجوكم ساعدوني، وأفيدوني.

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الحالة التي حدثت لك لأول مرة تُسمى بنوبة الهلع أو نوبة الفزع، ويسميها البعض "الاضطراب الفُجائي"، وهي حالة بالفعل مخيفة، وإن لم تكن خطيرة، فهي مجرد نوبة شديدة من القلق المفاجئ، ولا تُعرف أسبابها في معظم الأحيان.

ويتولّد لدى الكثير من الناس -كما حدث معك- ما نسميه بالقلق التوقعي، الذي يظهر في شكل مخاوف مستقبلية من أن الحالة ستعود في أي لحظة، وهذه هي الإشكالية الأساسية؛ لأن هذا النوع من الشعور يصبح وسواسيًا، ويلازم الإنسان دائمًا؛ مما يزعجه وقد يؤدي إلى القلق المزمن أو حتى الاكتئاب النفسي.

نصيحتي لك هي:
أولًا: أن تكتفي تمامًا بالفحوصات التي قمت بها؛ فهذه الحالة نفسية وليست عضوية.
ثانيًا: عليك بتجاهل هذه الأعراض تمامًا، وسيساعدك على ذلك تذكُّر أنها مجرد نوبة قلق ولا علاقة لها بأمراض القلب.
ثالثًا: اجلس مع نفسك واسأل نفسك: "ما الذي يجعلني أقلق؟"، واعلم أن القلق طاقة إيجابية يجب أن نوجّهها لتحسين الدافعية والتركيز والانتباه وأداء الأعمال.
رابعًا: عليك بممارسة تمارين الاسترخاء؛ فهي مفيدة للغاية خاصة إذا واظب عليها الإنسان، ولتطبيق هذه التمارين:
- اجلس على كرسي مريح في غرفة هادئة ذات إضاءة خافتة، أو استلقِ على السرير.
- أغمض عينيك، وافتح فمك قليلًا.
- ثم خذ نفسًا عميقًا وبطيئًا عن طريق الأنف، ويجب أن يكون بقوة.
- ثم قم بحبس الهواء في صدرك لبضع ثوانٍ.
- وبعد ذلك أخرجه ببطء وقوة عن طريق الفم.
- كرّر هذا التمرين يوميًا مرتين (صباحًا ومساءً) لمدة ثلاثة أسابيع، ثم مرة واحدة في اليوم لمدة أسبوعين إلى ثلاثة، ويمكنك بعد ذلك الاستمرار عليه عند الحاجة.
خامسًا: مارس الرياضة بانتظام، ويفضَّل الرياضات الجماعية مثل كرة القدم.
سادسًا: أكثر من الأنشطة الاجتماعية، واحرص على التواصل مع الأهل والأصدقاء، وكن دائمًا في الصفوف الأمامية في المناسبات.

هذه العلاجات السلوكية إن طبقتها ستفيدك كثيرًا، كما أنصحك بأن تجتهد في دراستك، ولا تترك فراغًا يسمح بعودة الأعراض.

أما الشق الثاني من العلاج، فهو العلاج الدوائي، ورغم أنك تفضّل الابتعاد عن الأدوية، إلَّا إن الدراسات تشير إلى أهمية العلاج الدوائي؛ نظرًا لأن هذا النوع من الهلع ناتج عن اضطراب في كيمياء الدماغ، وخصوصًا في مادة تُعرف باسم "السيروتونين"، والتي يمكن تعديلها بالأدوية.

الدواء المقترح يُعرف تجاريًا باسم (سيبرالكس، Cipralex)، والاسم العلمي له (استالوبرام، Escitalopram)، وهو مضاد للاكتئاب ويعالج القلق والوسواس والمخاوف، وفعّال بشكل خاص لنوبات الهلع، والجرعة المقترحة هي:

• أن تبدأ بـ 10 ملغ يوميًا، وتُؤخذ بعد الأكل في أي وقت (نهارًا أو ليلًا).
• بعد شهرين، ارفع الجرعة إلى 20 ملغ يوميًا (تُؤخذ مساءً).
• استمر على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر.
• بعد ذلك، خفّض الجرعة إلى 10 ملغ يوميًا (مساءً) لمدة أربعة أشهر.
• ثم خفّض الجرعة إلى 5 ملغ يوميًا (نصف حبة من تركيز 10 ملغ) لمدة شهر.
• بعد ذلك، يمكن التوقف عن تناول الدواء.

هذا الدواء فعّال، وآمن، وغير إدماني، وتناوله مع الالتزام بالعلاج السلوكي يعطي أفضل النتائج، ونسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً