السؤال
السلام عليكم.
أنا رجل في السادسة والثلاثين من عمري، وقد رزقني الله تعالى منذ أكثر من عامين بزوجة ذات دين وخلق وحسب ونسب وثقافة وعلم، وقد عزمنا منذ اللحظة الأولى لزواجنا على أن نجتهد لإرضاء الله، ونجتهد لإقامة الدين في بيتنا، فلا ندع فرضاً من فروض الله إلا وأقمناه، ولا ندع سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا واقتدينا بها وأقمناها.
وقد كان كل منا قبل الزواج بمدة غير طائع لله، يعيش كما يعيش كثير من الناس في البعد عن الدين، والبعد عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبالفعل فقد بدأنا حياتنا سوياً بهذه النية، وحرصنا كل الحرص على إرضاء الله عز وجل، عن طريق الفرائض والسنن، وعن طريق بر الوالدين، وصلة الأرحام، والصدقات، وحسن الجوار، وحسن المعاملة مع الناس قدر الاستطاعة.
وبعد الزواج قررت زوجتي -حفظها الله ورعاها- أن تترك العمل الذي كانت تعمل به بمحض إرادتها، ورعاً واتقاء للفتن التي تحدث نتيجة اختلاط الرجال بالنساء في هذه المهنة بالذات، وبالرغم أنها كانت تتجنب هذا الاختلاط بقدر المستطاع، إلا أنها آثرت ترك هذا العمل لأسباب أخلاقية أخرى -لا داعي لذكرها الآن- زادت من إصرارها على الاستقالة.
ولم يلبث والدي أن علما بهذا الأمر حتى أقاما الدنيا علىّ، وتعرضت منهما للوم الشديد، ظناً منهما أنني قد أمرتها بذلك، وحاولت محاولات شتى لإفهامهما أنها هي التي قررت هذا من تلقاء نفسها دون جدوى، فهم يظنان أنني منذ التزامي وتوبتي عن المعاصي التي كنت أقترفها قد أصبحت متشدداً ومتطرفاً في الدين إلى أبعد حد.
فهل الصلاة في المسجد تشدداً؟ هل قراءة القرآن تطرفاً؟ عدم الخروج إلى أماكن اللهو المحرم تزمتاً؟ المهم! ومن ثم قام والدي -حفظهما الله وجزاهما عني خير الجزاء في الدنيا والآخرة- بحث أقاربنا ومعارفنا على مناقشتي حتى أعيد زوجتي إلى العمل، ولك أن تتخيل مدى البلاء الذي تعرضت له، فمنهم من يناقش بالعقل، ومنهم من يلقي باللوم جزافاً، ومنهم من يسخر ويستهزئ.
والحمد لله فقد أعانني الله على صد كل تلك الهجمات، ومن ثم هدأت العاصفة، وبعد ثلاثة شهور من تلك الوقعة قررت زوجتي -حفظها الله ورعاها- أن ترتدي النقاب -بمحض إرادتها- إرضاءً منها لله عز وجل، ودون أمر مباشر مني أو حتى إيحاء بذلك، إلا أنني كنت دوماً أدعو الله تعالى أن يقيمنا على الدين الصحيح، وأن يرضى عنا، وكان ذلك قبيل شهر رمضان المبارك ببضعة أيام، وكانت هذه الطامة الكبرى بالنسبة لوالدي فضلاً عن والديها.
فقد نهرتها أمها -حفظها وجزاها عن زوجتي خيراً وهداها- وسبتها وطردتها خارج منزلها لحظة أن علمت بهذا الأمر، بينما مكثتْ والدتي -حفظها الله وجزاها عني خيراً وهداها- الليالي تبكي وتنتحب كما لم تفعل عند وفاة والدها. وحدثني والدي -حفظه الله ورعاه وجزاه الله عني خيراً- حديثاً مفاده أن هذا الأمر غلو صارخ في الدين، وأن هذا كان من بدع السلف حيث لم تكن المرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تستر وجهها عن الرجال الأجانب، وهو حتماً لا يرضي الله، ومن ثم لا يرضيهما أيضاً، كما أن هذا معناه أن زوجتي لن تجلس للطعام على طاولة واحدة مع أختي الوحيدة وزوجها، كما أن هذا الأمر سوف يمنعنا من زيارة الأقارب والاجتماع في المناسبات التي يختلط فيها الرجال بالنساء، ومما سيترتب عليه قطع الأرحام، كما أنني بهذا العمل -أي: إرغام زوجتي على النقاب (هكذا يظنون)- قد دلست عليها وعلى والديها حقيقتي المتشددة المتطرفة المتزمتة. بالرغم من أن صلتي بوالدي زوجتي من أفضل ما يكون، إذ إنهم يحبونني ويوقرونني.
وبعدها فقد أوضحت لوالدي أن هذا الأمر لن يسبب عائقاً أمام زيارتنا لهما والاجتماع على الطعام، مع احتفاظ زوجتي بالنقاب في حال وجود زوج شقيقتي، ولكنهما رفضاً هذا، حيث أبلغاني بأنهما يكرهان منظر المرأة المنتقبة ويبغضانه بغضاً شديداً. ولذا آثرت تجنب هذا الموقف خوفاً على شعور والدتي التي ما زالت تعيش في حزن وكآبة جراء ارتداء زوجتي النقاب، وحتى لا أعرض زوجتي لمواقف قد تفتنها في دينها وتزلزلها وهي حديثة عهد بالتزام.
وقد قاطعني والدي خلال شهر رمضان، وبالرغم من ذلك فقد كنت أذهب لزيارتهما والاطمئنان عليهما وعلى صحتهما، ولكنهما كانا يعاملاني معاملة سيئة جداً، حيث أنني دائماً حريص على إرضائهما وعدم جرح شعورهما بأي شي، فهما حقيقة لم يدخرا جهداً ولا مالاً ولا وقتاً من أجل إسعادي أن وشقيقتي منذ أن كنا أطفالاً رضع، حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا الكتاب.
ولذا كل ما يرداه مني -بالرغم من بري لهما بشتى الطرق- أن آمر زوجتي بخلع النقاب ومخالطة أقاربي من الرجال، وحتى نعود للجلوس على طاولة واحدة مع شقيقتي وزوجها دون عوائق أو موانع.
وكلما هممت بزيارة أحداً من الأقارب، إلا ويقومان -حفظهما الله ورعاهما- بإثنائه عن استقبالنا في بيته، ثم يقولان لي: كيف تذهب لزيارة أقاربك وأنت بهذا الوضع؟! لا تذهب فتعرض نفسك للإحراج. وهكذا فقد آثرت ألا أعرض زوجتي لمثل هذه المواقف المحرجة التي قد تعصف بها وتردها على عقبيها بعد أن انتقبت إرضاء لله عز وجل.
ومن ثم قررت الذهاب إلى أقاربي بمفردي، وأتحمل في ذلك اللوم العتاب والمناقشات والمصادمات -كان كل ذلك في رمضان- وقد زاد الوضع تأزماً عندما رُزقت بعد ذلك بعدة شهور بطفل جميل -بفضل الله تعالى- ولكن هذا الطفل وُلد بمرض من الأمراض المعقدة والنادرة في القلب، الأمر الذي جعل والدينا وأقاربنا يتأكد لديهم أن هذا هو عقاب من الله لنا، فقد أوضحت والدة زوجتي - حفظها الله ورعاها- أنه لو كان ما نحن عليه هو الخير الذي يرضي الله ما عاقبنا بهذا الطفل! وأن الله قد شدد علينا حياتنا؛ لأننا شددنا على أنفسنا في الدين، حيث أن علاج هذا المرض يتطلب السفر إلى البلاد الأوروبية حيث الطب المتطور، والذي حتماً لن يستقيم مع وجودنا بهذا الالتزام، ومن كثرة وقع هذا الكلام وهذا اللوم فقد أصبحت حيراناً!
فهل ما فعلته زوجتي يعتبر تشدداً؟ وهل يجب علينا أن نطيع والدينا في هذا الأمر؟ وهل هذا حقاً عقاب من الله، أم هو ابتلاء وتمحيص؟
وكيف يمكن إرضاء والدي وبرهما دون الوقوع فيما يغضب الله؟ علماً بأنني أبرهما بقدر ما أوتيت من وقت وجهد.
وجزاكم الله خيراً.