الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تجنبت السفر والخروج مع الأصدقاء بسبب قلقي ومعاناتي من بطني!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أرجو الإفادة عن حالتي ووصف العلاج المناسب لي.
أبلغ من العمر 37 سنة، ووزني 55 كيلوجرامًا، وأعمل في إحدى الدوائر الحكومية، تبعد عن مقر سكني 100 كيلومتر، وأذهب يوميًا للعمل في الصباح الباكر بواسطة حافلة بإيجار شهري.

أعاني من إسهال مزمن منذ أيام الدراسة منذ ما يقارب 25 سنة، وخصوصًا أول الصباح عند الذهاب للعمل، يتعدى دخول دورة المياه لأكثر من أربع مرات؛ مما يجعلني في حالة قلق نفسي شديد بشكل يومي؛ والسبب في ذلك أنني تعرضت لمرات كثيرة للإسهال أثناء ركوبي للحافلة للذهاب للعمل، فمرة أتحامل وأُصَبِّر نفسي حتى وصول الحافلة لمقر العمل، ومرة أوقف صاحب الحافلة وهذا يسبب لي الإحراج الكبير؛ وهذا ما يجعلني أعد العدة لقضاء الحاجة عدة مرات قبل ركوب الحافلة وأكون في حالة نفسية سيئة.

بدايةً وفي أول الصباح يكون دخول الحمام طبيعيًا، ويكون الإخراج صلبًا ومتماسكًا، وعند الخروج من الحمام أحاول الدخول مرة أخرى نتيجة للضغط والقلق النفسي، فيبدأ خروج الإخراج شبه سائل، وأدخل مرة ثانية وثالثة ورابعة، ويكلفني هذا أكثر من نصف ساعة دخولًا وخروجًا.

بعد ذلك أذهب لركوب الحافلة التي كثيرًا ما تنتظرني نتيجة تأخري، وما إن تبدأ الحافلة بالسير وبعد فترة أشعر بحاجة للتبرز، فأتحامل وأصبِّر نفسي، وأيضًا يكون لدي شعور كبير بالتبول، حتى أني عندما أحاول لمس المثانة أحس بضغط كبير. هذا فقط في الصباح، أمَّا عند الرجوع في المساء فالأمور تكون طبيعية جدًّا، وفي أيام العطل والإجازات الرسمية تكون الحالة طبيعية جدًّا، لا إسهال، ولا قلق.

كذلك أثناء صلاة الجمعة وصلاة التراويح يتطلب الأمر دخول دورة المياه عدة مرات؛ وذلك لكون تلك الصلوات تتطلب المكوث داخل المسجد فترة أطول، أمَّا بقية الصلوات فالأمر طبيعي جدًّا.

أيضًا عندما أحضر لزيارة بعض الأصدقاء ينتابني الخوف والقلق من أن أتعرض لدخول الحمام أثناء الزيارة أو بعد الوليمة مثلًا.

الحمد لله لا أعاني من آلام في المعدة، ولا يوجد عندي انتفاخ، فقط خروج الريح كثيرًا ما يضطرني إلى إعادة الوضوء.

عملت فحص منظار علوي عن طريق الفم، وفحص سفلي عن طريق الشرج قبل عدة سنوات، فكانت النتيجة سليمة، واستشرت أحد الأطباء، ولكن لم يعمل لي أية فحوصات، وقال عندي قولون عصبي مصاحب للإسهال، ووصف لي دواء اسمه (loperamide hci bp 2mg) أستخدمه عند الضرورة، فهو يخفف بعضًا من معاناتي، إلَّا أن الخوف والقلق ما زالا مسيطرين عليَّ، وفترة 25 سنة ليست بالفترة البسيطة.

تجنبت السفر والرحلات مع الأصدقاء، والسبب معاناتي من بطني، والخوف والقلق، حتى الذهاب للعمرة لم أوفق للذهاب إليها.

* بعض من معاناتي:
- ذهبت برفقة زوجتي مع أبيها إلى دبي، وهي المرة الأولى والأخيرة، فكانت النية الذهاب في الصباح الباكر، فلم أنم طوال الليل، عدة مرات أدخل دورة المياه، ولما ركبت السيارة، وبعد فترة نصف ساعة أو أكثر؛ أحسست بغثيان نتيجة القلق والخوف، ما لبث أن هدأت، وكنت في قلق مستمر حتى رجعنا إلى البلد، علمًا بأني لا أقود سيارة.

- ذهبت مع أبي للتعرف عن قرب ممن تقدم لخطبة أختي، وكانت المسافة بيننا تقارب 200 كيلومتر، وكنتُ في حالة قلق شديد، ودخلتُ دورة المياه ما يقارب خمس مرات، ولما جاء موعد تناول الغداء، وما إن وضعت اللقمة في فمي أحسست بالتقيؤ نتيجة للاضطراب وشدة القلق، فلم أستطع مشاركتهم في الأكل.

- كثيرًا ما يعرض علي إخواني الذهاب معهم في رحلاتهم الخلوية؛ إلَّا أني دائمًا أعتذر، وأول شيء أفكر فيه كيفية التخلص من الفضلات في المناطق الخلوية، فينتابني القلق والاضطراب.

أرجو وصف العلاج المناسب لحالتي يا دكتور، وعذرًا على الإطالة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فواضح مما وصفته في سؤالك أن ما تشكو منه ليس مرضًا عضويًا، وإنما ترتبط الأعراض بحالة التوتر والقلق التي تنتابك عند الخوف من أن الإسهال قد يأتيك في طريقك إلى العمل أو عند ركوب السيارة في السفر، وما تعاني منه هو أعراض القولون العصبي التي تتوافق مع التوتر والقلق النفسي.

والقولون العصبي ينجم عن اضطراب مزمن في وظيفة القناة الهضمية، وخاصة الأمعاء الغليظة (القولون) ولا يكون في المريض خلل أو اضطراب عضوي، أي أن الأعراض ليست بسبب التهاب أو جراثيم أو أورام أو غير ذلك، وإنما هي ناتجة عن زيادة الإحساس بتقلصات واضطراب في حركة الأمعاء، ومن أهم الأمور بالنسبة لهذا المرض أنه مزمن ومتردد، أي أنه غالبًا ما يستمر مع الإنسان لسنوات طويلة، وقد يبقى معه طول عمره.

وتتردد الأعراض فتزداد في فترة معينة وتخف في أخرى، أو تزول لفترة معينة وتظهر مرة أخرى فيما بعد، ويلاحظ معظم المرضى كما هو الحال عندك أن الأعراض تزداد مع القلق واضطراب الحالة النفسية، كما أنهم يشعرون بالتحسُّن أثناء الإجازات وفي فترات استقرار الحالة النفسية -كما هو الحال عندك- حيث إن الأعراض تزداد عندما تكونُ في قلق أو تكونُ خائفًا من شيء، وعند الخروج من البيت، أو عند إرادة السفر، أو عند حضور المناسبات الاجتماعية، بينما تخف الأعراض أو تختفي في نهايات الأسبوع والعطل.

ومن ناحية أخرى فإن الأعراض قد ترتبط بأنواع معينة من الأغذية والأطعمة كالحليب والبهارات والفلفل والبقوليات، وتختلف من مريض لآخر، ولا تقتصر أعراض القولون العصبي على ما سبق، بل هناك أعراض كثيرة قد تحدث في أجزاء أخرى من الجسم، وقد ينزعج منها المريض، ولكن مهما عمل الطبيب من فحوصات، فإنه لا يجد أي سبب آخر، ومنها:

1- شعور بالإرهاق والتعب العام.
2- شعور بالشبع وعدم الرغبة في الأكل، ولو بعد مضي وقت طويل بعد الوجبة السابقة.
3 - آلام في أسفل البطن أثناء التبول، وأحيانًا الشعور بالحصر، وهذا ما شكوت أنت منه كذلك، وقد يترافق مع أعراض المثانة العصبية.
4- آلام شبيهة بوخز الإبر في عضلات الصدر والكتفين والرجلين وغيرها.

وتفهم هذا المرض من قبل المريض يفيده في التأقلم مع هذا المرض، وهي أن هذا المرض ليس عضويًا، بمعنى أننا لو فتحنا البطن وتفحصنا الأمعاء لوجدناها سليمة، ولهذا فإن الفحوصات التي يعملها لك الطبيب غالبًا ما تكون نتائجها كلها سليمة.

هذا المرض مزمن، وقد يستمر معك طوال العمر، فعليك أن تصبر وتحتسب الأجر عند الله، وتحاول أن تتكيف مع أعراض المرض، والصلة عندك قوية جدًّا بين أعراض القولون العصبي والحالة النفسية، فأنت قد استشعرت ذلك بصورة جلية، فحين تكون مرتاحًا وفي وضع استرخائي وبعيدًا عن الضغوطات النفسية تحس أن الأعراض قد اختفت، وأنك قد أصبحت في صحة جيدة، وحين تكون تحت ضغوط نفسية أو قلق أو توتر تزداد لديك أعراض القولون العصبي.

ومهما طالت مدة المرض معك، فهو لن يؤدي إلى أي مضاعفات أو أمراض أخرى، فهو لا يؤدي إلى نزيف أو التهاب أو سرطان ولا إلى غير ذلك، والعلاج هو علاج الأعراض والابتعاد عن الأمور التي تزيد الأعراض سواء التوتر والقلق أو أطعمة معينة.

إن الأعراض ربما تكون مزعجة بعض الشيء، ولكني أؤكد لك أن الحالة هي حالة حميدة تمامًا، وليس لها أي آثار مرضية خطيرة، كما أنه لا توجد أي أمراض عضوية في الجهاز الهضمي.

عليك أن تتخير الأطعمة التي تراها مريحة بالنسبة لك، فهنالك أطعمة ربما تثير القولون العصبي، فعليك أن تتجنبها، فلابد وأنك قد تعايشت مع هذه الحالة، وأنت الآن لابد أن تكون مدركًا تمامًا لنوعية الأطعمة التي تثير القولون فأرجو أن تتجنبها.

إن التمارين الرياضية وجد أنها مفيدة جدًّا (أي نوع من التمارين الرياضية خاصة تمارين المشي أو الجري أو ممارسة كرة القدم أو أي نوع من أنواع الرياضات الأخرى) فأرجو أن تكون حريصًا على ذلك.

وهناك تمارين نسميها بتمارين الاسترخاء، وجد أنها مفيدة لمرضى القولون العصبي؛ لأن الاسترخاء هو ضد القلق والتوتر والمخاوف، فيمكنك تطبيق هذه التمارين، بأن:
- تجلس في مكان هادئ كالغرفة قليلة الإضاءة.
- ويجب أن لا تشغل نفسك بأي أمور حياتية.
- فكر في شيء سعيد وجميل.
- أغمض عينيك، ثم خذ نفسًا عميقًا وبطيئًا.
- ويجب أن تملأ صدرك بالهواء حتى ترتفع البطن قليلاً.
- ثم بعد ذلك أمسك على الهواء قليلاً في صدرك.
- ثم أخرج الهواء عن طريق الفم، ويجب أن تخرجه أيضًا بكل قوة وبكل دقة وببطء.
- كرر هذا التمرين خمس مرات صباحًا، وخمس مرات مساءً، لمدة أسبوعين أو ثلاثة، وسوف تجد أنه مفيد جدًّا.

وبسبب حالتك يجب تناول الأدوية التي تذهب عنك القلق والتوتر، ومن هذه الأدوية التي تساعد -بإذن الله- في مثل حالتك دواء يعرف تجاريًا باسم (سيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil) ويعرف علميًا باسم (باروكستين Paroxetine).

تبدأ في تناول هذا الدواء بجرعة عشرة مليجرامات (نصف حبة) ليلًا لمدة أسبوعين، ثم اجعل الجرعة بعد ذلك إلى حبة كاملة (20 مليجرامًا) ليلاً واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى نصف حبة ليلاً واستمر عليها لمدة شهرين، ثم يمكنك أن تتوقف عن تناوله وهذا الدواء يعالج -بإذن الله- القلق والتوتر والمخاوف.

أنت تعاني أيضًا من المخاوف خاصة ما يسمى بالرهاب الاجتماعي، وهذا ليس مستغربًا، بمعنى أن أعراض القولون العصبي تكون مصاحبة لأعراض المخاوف والرهاب؛ لأن المخاوف والرهاب هي أصلاً نوع من أنواع القلق، وهنالك رابط قوي جدًّا بين القلق والقولون العصبي.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً