الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكاية معاناة مع قبضة الاكتئاب والوسواس القهري

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني من الاكتئاب والوسواس والشك في الآخرين. أظن أن هناك من يدبر لي مكروهًا، وأشعر أنه سيؤذيني، أو أن الطعام مسموم، أو أن أخي يتحرش بي وأنا نائمة، أشك في نفسي وأرغب في الحذر والدفاع عن نفسي!

أحيانًا أتصرّف بغرابة، بسبب هذا الشك الذي سيطر عليّ وكأني أصدّقه معظم الوقت، أشعر بالتعب والضيق من نفسي، ولا أستطيع فعل أي شيء، حتى الأمور البسيطة في الحياة، لا أتحدث إلى أحد سوى نفسي، وانعزلت وأحب أن أكون وحدي، وضعفت في كل شيء.

أحيانًا أشعر وكأني لا أحمل أي شعور إنساني، وأرغب في الصراخ وفقدان أعصابي، أتعمد مضايقة أختي وإزعاجها، رغم أني أحبها، ولكني في الوقت نفسه أحسدها وأكرهها، بسبب كثرة المشاعر الكئيبة والقاسية.

أريد أن أؤذي شخصًا ما، ولم أعد أهتم بنفسي، وأستغرب أني وصلت إلى هذه الحالة السيئة، حتى أني لا أستطيع أن ينظر إليّ أحد بسبب كرهي لنفسي وتأنيب الضمير.

غالبًا ما أكون غير راغبة في الحياة، وتتردد في ذهني أفكار حزينة عن قرب نهايتي، وتسيطر عليّ أفكار انتحارية، وأتمنى الخلاص من ضيقي. عندما أجلس مع الناس، أشعر أنهم ينظرون إليّ نظرات سخرية ويتحدثون عني بكلام سيء.

كلما جلست مع أحد، أشعر بالغرابة والكآبة الشديدة، وأفكر بغرابة في التصرفات والأفعال، وأتخيل أني سأؤذي شخصًا ما أو أؤذي نفسي، وأشعر بذنب قاتل بسبب هذا التفكير.

أرى كل شيء بلا معنى وسخيفًا، عندما يتحدث أبي، أشعر أنه يقصدني، ولم أعد أثق بأحد على الإطلاق.

أحيانًا أشعر أني طبيعية تمامًا، وتأتيني طاقة عجيبة، وأشعر بمتعة الحياة والسكينة والراحة في كل شيء، وأني إنسانة محترمة وواثقة ولها قيمة في الحياة، وليست كما أظنها حقيرة وغريبة وكل شيء سيء.

أضحك مع نفسي وأتحدث بأشياء غريبة مع نفسي، وأريد في ذلك الوقت أن أفعل أي شيء.

أنا متألمة ومتعبة، ولا أرى نفسي، وكأني فقدت أعصابي وتركيزي، وأستغرب ما يحدث لي، ولا أصدق نفسي، وأشعر بغرابة كل شيء.

إن بكيت أبكي كثيرًا وأجلس وحدي أتحدث مع نفسي في أمور، وأكرر كلامًا، وأصفع نفسي لكي أستيقظ من هذا التفكير السخيف، تفكير غريب وطاقة عجيبة، وأفكر وأتخيل أني سأؤذي شخصًا ما أو أؤذي نفسي، والله كدت أن أفعل شيئًا.

هل هذا التفكير يتحول إلى فعل في المستقبل؟ هذا هو السؤال، أحيانًا تراني أمي أبكي وحالتي يرثى لها، وتقول لي: لا تتعبي نفسك بهذا الشكل، اذكري الله.

لقد ضعفت إيماني وفي كل شيء، ولم أستطع مساعدة نفسي، أنا غير مركزة ومشتتة جدًا، وتعبت من هذا الوسواس.

أرجوكم ساعدوني، لا أعرف ما بي وكيف أتصرف!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك كثيرًا على تواصلك مع إسلام ويب.

من الوصف الذي ورد في رسالتك نستطيع أن نقول إن لديك بعض الشكوك الظنانية، ولديك أيضًا ما نسميه بإشارات التلميح، أي أنه يأتيك الاعتقاد كثيراً أن الآخرين يقومون بالحديث عنك، وأنهم ينظرون إليك بشيءٍ من السخرية والاستحقار.. هذه هي العلة الرئيسية التي لديك، بعد ذلك هنالك مؤشرات أيضاً من الوصف الذي ورد في رسالتك أنك تعانين من وساوس قهرية ولكنها من الدرجة البسيطة، وهذا أدى إلى العسر في المزاج وهي درجة بسيطة من الاكتئاب.

أرجو أن لا تنزعجي لهذه المسميات، فهي مرتبطة مع بعضها البعض ومتداخلة بشكل كبير، وحالتك تستجيب للعلاج بصورةٍ ممتازة، ولا بد من تناول هذا العلاج، وأنا أنصحك بالذهاب إلى الطبيب النفسي، وإن شاء الله سوف يعطيك العلاج المناسب، أما إذا كان هذا الأمر عسيراً، فالدواء الأفضل لحالتك هو عقار يعرف تجاريًا باسم (Risperdal - ريسبردال)، واسمه العلمي (Risperidone - ريسبيريدون)، والجرعة المطلوبة هي واحد مليجرام ليلاً لمدة أسبوعين، ثم ترفع الجرعة إلى 2 مليجرام ليلاً لمدة عام، ثم تخفض إلى واحد مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم يمكنك التوقف عن الدواء، والعلاج الآخر يعرف باسم (Prozac - بروزاك)، واسمه العلمي (Fluoxetine - فلوكستين)، والجرعة المطلوبة في حالتك هي كبسولة واحدة في اليوم، يتم تناولها لمدة عام، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.

هذه الأدوية مفيدة ومتميزة، ولكني أفضل أن تكون هنالك متابعة مع الطبيب النفسي؛ لأن هذه الجرعات كثيراً ما تحتاج إلى زيادتها وإنقاصها من هذا القبيل، وعموماً أطمئنك أن الأدوية سلمية وفعالة، وأنها سوف تفيدك في التحكم في هذه الأفكار الظنانية، وكذلك الأفكار الوسواسية، وسوف يحدث لك تحسنٌ كبير إن شاء الله في مزاجك.

أريدك أن تنظري إلى نفسك بنظرة إيجابية، وأن تقللي بقدر المستطاع من التفكير السلبي المشوه عن ذاتك، وفكري وتأملي فيما لديك من مقدرات، وهي إن شاء الله كثيرة جداً، وتواصلي مع الناس اجتماعياً، وحاولي أن تنظمي وقتك بصورةٍ ممتازة، وعليك بالدعاء والذكر والاستعاذة بالله من هذه الأفكار، وإن شاء الله سوف تختفي وينتهي ما تسببه لك من إزعاج، ولكن عليك أن تأخذي بما ورد في الاستشارة.

بالنسبة لافتقادك للتركيز، فهو جزء أساسي من الشكوك الظنانية والوسواسية، وكذلك عسر المزاج الذي لديك.

نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً