الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدم لخطبتي شاب ملتزم ولكني أحسسته مثالياً أكثر من اللازم، فما توجيهكم؟

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.

أود أن أستشيركم في موضوع النظرة الشرعية.

لقد جلست في المقابلة مع شاب كان متزنا ( وطموع ) ومن خلال حديثه لا أدري لماذا أحسست أنه مثاليا ( أكثر من اللازم )، أقصد بكلامي أنه كان دائم الذكر لصفاته الإيجابية ولم أعرف شيء عن صفاته السلبية.

لقد ارتحت له ولكني خائفة وقد بدى علي هذا الخوف من خلال حديثي معه عن التجارب الفاشلة في الزواج التي ترعبني عند سماعها، وقد حاول أن يطمئنني بقوله ( لا تقلقي ليس جميع الرجال هكذا ).

والغريب في الموضوع أنه طرح علي سؤالا واحدا فقط ( ما هي هوايتك؟ )، فقد كان مطمئنا من اختيار والدته وكثير المدح بأهلي وعائلتي.

علماً بأنني طالبة بالجامعة وقد أخبرته برغبتي بمواصلته دراستي، وأن تخرجي بعد سنتين، وقد أخبرته بعدم رغبتي بالزواج إلا بعد التخرج ووافق على ذلك وشجعني على الدراسة بدون أي معارضة.

كيف لي أن أكتشف مدى صدقه؟ وكيف لي أن أحدد موقفي بالموافقة أو الرفض؟ فأنا متوترة جداً.

أعتذر عن الإطالة، وشكراً جزيلاً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ sara حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..

نرحب بك ابنتنا الفاضلة في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يُكمل لك على خير، ونرحب بك وبخطيبك في هذا الموقع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينكم على الخير، ونتمنى أن نسمع عنكم الخير.

لا شك أن هذه الجلسة الشرعية (الرؤية الشرعية) بهذه الطريقة من الأمور الأساسية في أمر الزواج، والحمد لله أنه حصل عندك الارتياح والانشراح بعد هذه المقابلة، وأبشري فإن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

أما بالنسبة لخوفك من الشاب فليس في مكانه، لأنه من الطبيعي في مثل هذه المقابلات أن يُظهر الشاب الجانب المُشرق وأن يكون مثالي أكثر من اللازم، وكذلك الفتاة لا شك أيضًا أنك اجتهدت في الزينة وفي أن تكوني حريصة على الضحكة المعينة والكلام بطريقة معينة، وهذا أمر مألوف، ولذلك هذه الجلسات تُعطي جزءا كبيرا من الحقيقة، لكنها لا تُعطي الحقيقة كاملة، لأنها لا تخلو من التمثيل، ولا تخلو من شيء من المجاملة.

وكون الشاب مثالي ويحرص على إظهار نفسه بذلك، هذا شيء طبيعي، والحمد لله الذي هيأ لك هذه الفرصة، ونتمنى ألا تترددي، وكون الشاب وافق على مواصلة الدراسة هذا أيضًا مبشر آخر، وهذا الشاب الذي جاء من الباب وقابل أهلك الأحباب وقابلك بهذه الطريقة وجلس معك، هذه كلها مؤشرات تدل على أن الأمور ولله الحمد تسير في الطريق الصحيح الذي يُرضي الله تبارك وتعالى.

فمن هنا نحن ندعوك إلى عدم الانزعاج وعدم التوتر من هذا الذي حدث، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخير، واعلموا أن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج لا تبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته ولا الخروج بها، ولكن هذه الخطبة تفتح لك وله الأبواب من أجل أن تسألي عنه – ويسأل عنك – وتتعرفوا على أسرته، لأن الزواج في حقيقته لقاء بين بيتين وبين أسرتين، ليس مجرد لقاء بين شاب وفتاة.

ولذلك اجتهدي في التعرف على أهله وعلى أسرته، ومن حقه كذلك أن يسأل عنكم وأن يتعرف عليكم، ونتمنى ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينكم على إكمال هذا المشوار، وطالما كنتِ موافقة – وهو كذلك سعيد بالمقابلة – وأسرتك أيضًا قابلة به، وأيضًا هذا التلاقي الذي تم عن اتفاق بين الأسرتين وعن علم الأسرتين، هذه كلها مؤشرات إيجابية، فأنت في نعم ينبغي أن تحمدي الله تبارك وتعالى عليها، وتحرصي على أن تكون العلاقة بينكم في هذه الفترة منضبطة بضوابط الشرع الحنيف الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، فإن هذه الخطبة التي حدثت نعمة من الله تبارك وتعالى، ونعمة الله تستوجب الشكر.

من شكر هذه النعم ألا تكون هناك تجاوزات في فترة الخطبة، ومن حق الخاطب أن يُكلم مخطوبته، وأن يجلس معها، لكن ليس على انفراد وإنما في حضور محرم من محارمها، وكذلك من حقه أن يشاركها الرأي في الأمور الأساسية، يسأل عنها، ويسأل عن أحوالها، وينصحها في أمر دراستها، وقبل ذلك في أمر عبادتها وطاعتها لله تبارك وتعالى.

وحقيقة نحن لا نفضل أن تطول فترة الخطبة، لأن الخطبة الهدف منها هو أن يحصل الوفاق، أن يحصل التفاهم، أن يحصل الانشراح، أن يحصل التعرف، فإذا حصل هذا واطمئن كل طرف إلى الآخر، وإلى أخلاقه، وإلى دينه، فلم يُرَ للمتحابين بعد ذلك مثل النكاح. فلا تتأخروا في الخطوة القادمة، ولا تظنين أن الزواج عائقا أمام الدراسة، بل نحن نعتقد أن الزواج من الأمور التي تعين على الدراسة الجادة، لأن الإنسان بعد الزواج تُصبح له أهداف وتشعر – ويشعر – أن هناك من يفرح بنجاحه – أو بنجاحها –، فالزواج يُعطي دافعية كبيرة، وعندنا تجارب كثيرة لمن تزوجوا ونجحوا بعد الزواج في مواصلة دراستهم.

فالزواج مشروع للخير، ونحن لا نفضل أن يتأجل هذا المشروع أو يحصل له تأخير حتى تنتهي الدراسة، طالما بدأتم بمشوار الخطبة الرسمية وحصل هذا التلاقي والتعارف بين الأسرتين، وحصل أيضًا هذا الميل، فلم يُرَ للمتحابين مثل النكاح، وخير البر عاجله، فلا تتأخروا في إكمال المراسيم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُديم عليكم الفضل والخير والنعم، واحرصي دائمًا على أن تكوني الأفضل له، لأن خير الأصحاب عند الله خير لصاحبه، وخير الأزواج عند الله خيرهم لأهله، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم –: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).

نعود فنكرر أن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج لا تبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته ولا الخروج بها، ولذلك نحن بحاجة إلى الانتقال للخطوة التي بعدها، بأن يعقد عليك لتصبحي زوجة رسمية، وبعد ذلك نحتاج إلى أن يُعجل بأمر الدخول وإكمال هذه المراسيم، وما من إنسان أخّر الزواج إلا ندم على ذلك التأخير، لأن الزواج فيه سعادة كبيرة، وفيه متعة، وفيه إكمال لعناصر النجاح بالنسبة للرجل والمرأة، فالمرأة تكتمل أنوثتها بزواجها، وتكتمل أمومتها بإنجابها الأولاد، والرجل كذلك يكتمل بتحمل المسؤوليات، ويكتمل عنده نصف الدين – وعندها – بالزواج، فلنتقي الله بعد ذلك في النصف الآخر.

فلا تتأخروا في أمر الزواج، ولا تستصعبي هذه المسائل، وتعوذي بالله من الشيطان الذي يريد أن يضخم لك المسألة ويخوفك من هذه المسألة، لأن الشيطان أصلاً غير حريص على أن نتزوج، لأن الشيطان لا يريد لنا الحلال، وإنما يريد أن نقع في معصية الكبير المتعال – عياذًا بالله تبارك وتعالى – فلنعامل عدونا (الشيطان) بنقيض قصده.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يُديم عليكم الفضل، ونكرر شكرنا لك على هذا التواصل، وإذا أتيحت فرصة فمن حقك أن تسألي الخاطب عن أهدافه من الزواج، عن رؤيته للحياة، عن نظرته للمرأة، عن اهتمامه بالتعليم، عن علاقاته، عن اهتماماته في الحياة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذا الشاب من نصيبك، وأن يجعله باب لك وله إلى السعادة بهذا الزواج، ونسأل الله أن يجمع بينكم على الخير، وأن يؤلف بين القلوب، وأن يعينكم على تكوين بيت في الطاعة، وأستغفر الله لي ولكم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً