السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أولًا: الحمد لله على كل حال.
ثانيًا: أشكركم على ما تبذلونه من جهد، وكان الله في عونكم.
ثالثًا: أنا شخص عاش حياة مليئة بالتخبطات التي لم تكن لي بها أي حيلة أو قوة. تربيت في بيت يملؤه الطيبة والأخلاق، إلَّا أن هناك مشكلة كانت تواجهني وهي والداي. كانا لا يملان من التحذيرات، خصوصًا والدي، كان يعلق ويحذر على أي فعل كنت أقوم به، وأمي كانت دائمة التحذير ولا تثق بأي أحد، كنت طبيعيًا لا أتأثر، إنما أتضايق فقط من كل هذا، حتى سن الحادية عشرة، تغير كل شيء، أكاد أجزم أن مسار حياتي الصحيح بدأ ينحرف في ذلك الوقت، كل شيء بدأ في التغير.
فأنا كنت الأكثر تميزًا بين عائلتي وبين جميع طلاب المدرسة (لاحظوا أني أقول المدرسة ليس الفصل)، رغم أني لست من الأوائل، إنما أكتفي بأن أكون من العشرة الأوائل، رغم أن الجميع يؤمن بأفضليتي خُلقًا ونشاطًا وذكاءً.
حضر أحد المسؤولين إلى مدرستنا، وكانوا بصدد البحث عن طلاب متميزين على مستوى المدينة، وكل الترشيحات وقعت عليّ، أنك من المرشحين بلا منازع، بل إن المسؤول اختبرني في نقاط علمية وأجبت بكل ثقة وأعجب الجميع بي، ولكن تم رفضي بعد اكتشافهم أني أجنبي لست من أبناء تلك البلد، كان الجميع مذهولًا: أنني أجنبي لست منهم.
هنا خارت قواي، لم أكن أفهم الفارق، كل ما فهمته أني أقل منهم طبقةً، هذا ما أذكره.
حدثت أهلي عن هذه النقطة، وقاما بالمعتاد بالتحذيرات، وكيف يجب أن لا أتعمق بعلاقاتي مع الطلاب كالسابق؛ لأني لست مثلهم، وتوالت النصائح. حتى ابتعدت عن تلك البيئة المميزة، وطلبت أن أنضم لإحدى المدارس الشعبية لكثرة الأجانب بها فيسهل الاختلاط.
وللأسف بدأت الأمور للأسوأ، بدأ الأمر من ضياع الهوية الوطنية إلى التحرشات والاعتداءات الجنسية، ومرورًا بخلافات وتفكك عائلي وصولًا إلى ضعف الإيمان، واقتراف المحرمات بلا رادع، فقدت الثقة، وأصبحت أشعر بالانهزامية الآن بعد مرور السنين هذه كلها عندما تغير شكل الحياة، كل ما أريد الوصول إليه هو أني لا أعلم: هل أنا مكتئب، أو موسوس، أو شكاك؟ فكلها أصبحت جزءًا من حياتي.
لم أعد أستمتع بكل شيء كالسابق، لم أعد حتى أشعر بتلك القفزة التي تأتي لتنفيذ أي شيء أرغب به بغض النظر عن كونه حلالًا أو حرامًا، أصبحت رهين الأفكار، كل يوم أستيقظ فيه لا بد من ربع ساعة، أو أكثر من التفكير مباشرة، مللت من هذه الأفكار منذ سن الصغر، أصبحت أحلل كل شيء: النظرات، أسلوب الكلام، هيئتي، أسلوبي، و... إلخ.
وأصبحت أرى كل شخص وكأن شخصيتي في يوم من الأيام كانت تمثله، أصبحت تائهًا لا أدري ماذا يحدث في رأسي، أريد أن أكون طبيعيًا بغض النظر عن الخيارات أو النمط الذي سأعيشه، كل ما أفكر فيه هو التخلص من تلك الأفكار والرهاب الذي يراودني عندما أقابل أناسًا جددًا، لا أستطيع أن أكمل صداقاتي، أكذب كثيرًا، أصبحت بلا هدف، أو بالأحرى لدي هدف بلا روح، فقط أحلام، وتفكير كثير، ومقارنات، وماذا سيقول الناس، ونشأة الحياة و.... إلخ.
المشاكل الاعتقادية التي بدأت لي مؤخرًا، مع العلم أنها جاءت من ضعف الإيمان واقتراف المحرمات، فأنا موقن أنها نتيجة منطقية عندما تتهدم المبادئ، لكن مشكلة التفكير والكآبة والخوف والشك هي طبعي منذ زمن، أصبحت تبعدني عن الحياة وتبعد الناس عني.
أنا حاليًا طالب في السنة الثالثة جامعيًا في الصين، هذه أول مرة أشكو فيها لغير الله، قلت: ربما يجب عليّ أن أحاول وأسأل، وأعتقد أن كلامي قد يكون مشوشًا، أو غير واضح فأنا كتوم، ولا أتحدث عن مشاكلي البتة.
كل ما أريد وصفه هو أني أفكر كثيرًا، وأشك، وأحلل تصرفات الناس، وأتقلب في المزاج وأتحسس سريعًا، هل هناك أدوية لا تضر، وتحسن من حالتي؟ لأني أريد العودة الصحيحة والبدء من جديد، لا أطيق ذاك الإحساس عندما أضحك وأسكت فجأة أو عندما أفكر كثيرًا في ردة الفعل ... إلى آخره.
أسأل الله أن يجعل لي مخرجًا على أيديكم، جزيتم خيرًا.