الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كثير التفكير والشك والتحليل لتصرفات الناس.. كيف أتخلص من ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولًا: الحمد لله على كل حال.
ثانيًا: أشكركم على ما تبذلونه من جهد، وكان الله في عونكم.

ثالثًا: أنا شخص عاش حياة مليئة بالتخبطات التي لم تكن لي بها أي حيلة أو قوة. تربيت في بيت يملؤه الطيبة والأخلاق، إلَّا أن هناك مشكلة كانت تواجهني وهي والداي. كانا لا يملان من التحذيرات، خصوصًا والدي، كان يعلق ويحذر على أي فعل كنت أقوم به، وأمي كانت دائمة التحذير ولا تثق بأي أحد، كنت طبيعيًا لا أتأثر، إنما أتضايق فقط من كل هذا، حتى سن الحادية عشرة، تغير كل شيء، أكاد أجزم أن مسار حياتي الصحيح بدأ ينحرف في ذلك الوقت، كل شيء بدأ في التغير.

فأنا كنت الأكثر تميزًا بين عائلتي وبين جميع طلاب المدرسة (لاحظوا أني أقول المدرسة ليس الفصل)، رغم أني لست من الأوائل، إنما أكتفي بأن أكون من العشرة الأوائل، رغم أن الجميع يؤمن بأفضليتي خُلقًا ونشاطًا وذكاءً.

حضر أحد المسؤولين إلى مدرستنا، وكانوا بصدد البحث عن طلاب متميزين على مستوى المدينة، وكل الترشيحات وقعت عليّ، أنك من المرشحين بلا منازع، بل إن المسؤول اختبرني في نقاط علمية وأجبت بكل ثقة وأعجب الجميع بي، ولكن تم رفضي بعد اكتشافهم أني أجنبي لست من أبناء تلك البلد، كان الجميع مذهولًا: أنني أجنبي لست منهم.

هنا خارت قواي، لم أكن أفهم الفارق، كل ما فهمته أني أقل منهم طبقةً، هذا ما أذكره.

حدثت أهلي عن هذه النقطة، وقاما بالمعتاد بالتحذيرات، وكيف يجب أن لا أتعمق بعلاقاتي مع الطلاب كالسابق؛ لأني لست مثلهم، وتوالت النصائح. حتى ابتعدت عن تلك البيئة المميزة، وطلبت أن أنضم لإحدى المدارس الشعبية لكثرة الأجانب بها فيسهل الاختلاط.

وللأسف بدأت الأمور للأسوأ، بدأ الأمر من ضياع الهوية الوطنية إلى التحرشات والاعتداءات الجنسية، ومرورًا بخلافات وتفكك عائلي وصولًا إلى ضعف الإيمان، واقتراف المحرمات بلا رادع، فقدت الثقة، وأصبحت أشعر بالانهزامية الآن بعد مرور السنين هذه كلها عندما تغير شكل الحياة، كل ما أريد الوصول إليه هو أني لا أعلم: هل أنا مكتئب، أو موسوس، أو شكاك؟ فكلها أصبحت جزءًا من حياتي.

لم أعد أستمتع بكل شيء كالسابق، لم أعد حتى أشعر بتلك القفزة التي تأتي لتنفيذ أي شيء أرغب به بغض النظر عن كونه حلالًا أو حرامًا، أصبحت رهين الأفكار، كل يوم أستيقظ فيه لا بد من ربع ساعة، أو أكثر من التفكير مباشرة، مللت من هذه الأفكار منذ سن الصغر، أصبحت أحلل كل شيء: النظرات، أسلوب الكلام، هيئتي، أسلوبي، و... إلخ.

وأصبحت أرى كل شخص وكأن شخصيتي في يوم من الأيام كانت تمثله، أصبحت تائهًا لا أدري ماذا يحدث في رأسي، أريد أن أكون طبيعيًا بغض النظر عن الخيارات أو النمط الذي سأعيشه، كل ما أفكر فيه هو التخلص من تلك الأفكار والرهاب الذي يراودني عندما أقابل أناسًا جددًا، لا أستطيع أن أكمل صداقاتي، أكذب كثيرًا، أصبحت بلا هدف، أو بالأحرى لدي هدف بلا روح، فقط أحلام، وتفكير كثير، ومقارنات، وماذا سيقول الناس، ونشأة الحياة و.... إلخ.

المشاكل الاعتقادية التي بدأت لي مؤخرًا، مع العلم أنها جاءت من ضعف الإيمان واقتراف المحرمات، فأنا موقن أنها نتيجة منطقية عندما تتهدم المبادئ، لكن مشكلة التفكير والكآبة والخوف والشك هي طبعي منذ زمن، أصبحت تبعدني عن الحياة وتبعد الناس عني.

أنا حاليًا طالب في السنة الثالثة جامعيًا في الصين، هذه أول مرة أشكو فيها لغير الله، قلت: ربما يجب عليّ أن أحاول وأسأل، وأعتقد أن كلامي قد يكون مشوشًا، أو غير واضح فأنا كتوم، ولا أتحدث عن مشاكلي البتة.

كل ما أريد وصفه هو أني أفكر كثيرًا، وأشك، وأحلل تصرفات الناس، وأتقلب في المزاج وأتحسس سريعًا، هل هناك أدوية لا تضر، وتحسن من حالتي؟ لأني أريد العودة الصحيحة والبدء من جديد، لا أطيق ذاك الإحساس عندما أضحك وأسكت فجأة أو عندما أفكر كثيرًا في ردة الفعل ... إلى آخره.

أسأل الله أن يجعل لي مخرجًا على أيديكم، جزيتم خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك -أيها الفاضل الكريم- على هذا السرد الجميل الذي أوردت فيه مسيرة حياتك، وأنك نشأت في بيئة ممتازة، لكن والداك كانا يتميزان بفرض الحماية عليك، وهذا قطعًا له تبعات تربوية سلبية، ولكنهما قطعًا لم يقصدا ذلك، وكل الذي قصداه أن تكون من أحسن وأميز الشباب.

التحول الذي حدث في حياتك أتى بعد أن ذهبت إلى هذه المدرسة الجديدة، وكنت ممتعضًا لأن قدراتك لم تُكافأ بصورة صحيحة، لكن هذا الواقع ينبغي أن يتقبله الإنسان، فالإنسان لا يستطيع أن يُسيّر الحياة بقوانينه، لا بد أن نحترم القوانين السائدة في بيئتنا.

المهم أنك بعد أن عاركت الحياة في المدرسة الأخرى، وكان محيطك ليس مريحًا، ففيه الكثير من السلبيات والكثير من التجاوزات، وهذا أدى إلى خلخلة في موقفك الوجداني والعاطفي والإيماني والاجتماعي.

أيها الفاضل: يجب أن تتدبر وتتفكر في الحياة، فمزيج التجارب التي مررت بها يجب أن يكون دافعًا قويًا، وقاعدة صلبة نحو الصلابة والجسارة والقوة، وأن تبني مستقبلًا رائعًا وجميلًا.

أنت فهمت الحياة، وهذا مهم جدًا، فهمتها بجمالها وقبحها، ومن خلال هذا التمازج، وبعملية فلترة بسيطة لتجاربك تستطيع أن تصل إلى خلاصات إيجابية جميلة.

والذي أريده منك أن تكون متفائلًا، وتعتمد على نفسك، وتوزع وقتك بطريقة صحيحة، فحسن إدارة الوقت يعني حسن إدارة الحياة، واستفد من تجربتك في الصين، وهي بلد رائع جدًا من حيث الإنتاجية، وعدم الاعتمادية، وتطور الشخصية، وقطعًا سوف تقابل الناس من شعوب مختلفة، وهذه تجربة ثرية يجب الاستفادة منها، وفي ذات الوقت كن حريصًا على أمور دينك، وما أجمل أن يكون الإنسان حريصًا على دينه في وسط قد لا يشجعه على ذلك، هنا تشعر بقيمة الإيمان والدين، وستسري إلى نفسك الطمأنينة ليلًا ونهارًا.

أريدك أن تكون إيجابيًا في تفكيرك، وهذا هو المطلوب، وتستطيع أن تقوم بذلك، وعمرك هذا سيدخلك على أعتاب الحياة، أنت الآن أمام بوابة الحياة، وبشيء من الدفع البسيط تستطيع أن تفتحها وتلج فيها، وذلك من خلال التفكير الإيجابي، وأن تفهم ذاتك بصورة طيبة، وأن تعيش حياتك بقوة، وتستفيد من التجارب التي حولك، وأن تصمم على التميز، وتنظر إلى المستقبل بأمل ورجاء، مارس الرياضة، وكن بارًا بوالديك، هذا سيفيدك كثيرًا.

العلاج الدوائي أعتقد أن عقار (بروزاك - Prozac)، والذي يعرف باسم (فلوكسيتين - Fluoxetine) بجرعة كبسولة واحدة في اليوم لمدة 3 أشهر، هذا سيكون كافيًا، وهذا الدواء سيقدم لك بعض الدعم النفسي فيما يتعلق بمزاجك، ويجعلك أكثر استرخاءً وتفاؤلًا.

الدواء ليس له آثار جانبية تُذكر، وليس إدمانيًا، ويفضل تناوله بعد الأكل.

نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً