الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحلول المناسبة لمن يعيش حالة التشتت الفكري

السؤال

أعاني من انهيار تام للرؤية بسبب تغير الثوابت التي كانت تشكل حياتي، وهي بخلاصة أني طردت من الوظيفة لأني بعثي سابق؛ مما أدى إلى انقطاع المورد الوحيد لإعالة عائلتي، ترافق هذا مع القناعة بأني ولكوني شيعياً فإني بحاجة إلى أن أترك هذا المذهب؛ لأني أراه بعيداً عن الإسلام ولكن العلاقة الاجتماعية تحول دون ذلك.

أنا أعيش بحالة تمزق فكري، حيث أرى ما تربيت عليه ينهار دون ما أجد بديلاً له، أرشدوني وفقكم الله. والسلام عليكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ جمال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نسأل الله أن يُصلح الأحوال، وأن يُبارك في الآجال، وأن يستخدمنا في طاعته، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا...وبعد:

عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، فلتصبر ولتحتسب، وعندما ينزل البلاء ينقسم الناس إلى طوائف ثلاثة:

1- طائفة كانت على الخير فصبرت على البلاء لتنال به أرفع الدرجات عند الله الذي يقول: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10]، ويبلغون بصبرهم درجات ما كان لهم أن يبلغوها إلا بالصبر والاحتساب.

2- طائفة كانت في الغفلة، فلما جاءتها المصائب انتبهت ورجعت إلى الله، ورفعت أكف الضراعة إليه، وهذه أيضاً على خير؛ لأنها فهمت واتعظت، والله تبارك وتعالى يقول: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام:42]، وهؤلاء يُعتبر البلاء في حقهم نعمة؛ لأنه كان سبباً في رجوعهم إلى الله، وتصحيح أخطائهم قبل أن يدركهم الأجل.

3- أما الطائفة الثالثة: فهم الذين كانوا في الغفلة والعصيان، ونزل بهم البلاء فلم يتعظوا ولم ينتبهوا، قال تعالى: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:43]، وهؤلاء قد يمهلهم الله عز وجل ولكنه لا يهملهم، وقد يستدرجهم فيفتح لهم بعض الأبواب، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الأنعام:44] يعني يائسون من كل خير.

أرجو أن تراجع إيمانك، وتبحث عن موقعك بين الطوائف المذكورة أعلاه، واعلم أن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، واحمد الله الذي مدَّ لك في العمر حتى تنتبه لنفسك وتخرج من غفلتك، وتذكر أن الأرزاق بيد الله، وأن مهمة المسلم هي السعي والبحث ثم التوكل على الوهاب سبحانه، فابحث عن العقيدة الصحيحة، واسلك السبيل الذي يُرضي الله.

لا أظن أن الصواب يخفى على أمثالك ممن عاش في الغفلات أزماناً، فابحث لنفسك عن النجاة، واعلم أن العلاقات الاجتماعية لا تُفيد صاحبها إلا إذا كانت عوناً له على الحق، وقد عرفت ما كنت عليه من الخطأ، وهذه هي أول خطوات الإصلاح، فسِر على بركة الله، واجتهد في صحبة الأخيار، وتعامل مع أرحامك باللطف والإحسان؛ لعل الله أن يكتب هداية الجميع على يديك.

لا تحمل همَّ الرزق فإن الله تكفل به وقسمه ونحن في بطون أمهاتنا، وهل للطيور وظائف أو معاشات!! ولكن كما قال عليه الصلاة والسلام: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً) وقد قال الله لنبيه: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132]، وقال عليه صلاة الله وسلامه: (إن روح القدس نفخ في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها)، ثم وجهنا فقال: (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فخذوا ما حل ودعوا ما حرم عليكم).

عليك أن تُكثر من اللجوء إلى الله، وتجنب أكل الحرام وظلم العباد، وأحسن إلى الأرحام، وأطع والديك، وكن في حاجة الضعفاء ليكون الله في حاجتك، ولا تحزن على الماضي الذي تربيت عليه، فإن العبرة بالخواتيم والفلاح في السير على خطا وهدي رسول الله الأمين.

نسأل الله أن يهيئ لأهلنا في العراق من أمرهم رشداً، وأن يعيد لأرض الرافدين أمنها وإيمانها.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً