الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابتليت بموت ولدي وسوء معاملة الناس لي بسبب والدي!!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كثيراً ما أشعر بفتور كبير حول أدائي للفروض، ولعبادتي وتقربي إلى الله منذ أن توفيَ ابني، والذي عانيت معه أكثر من 8 سنوات بسبب محاولة علاجه، وبعد وفاته تمسكت أكثر بالصلوات، وبالتضرع والدعاء على مَن تسبب بموت ابني، وأدعو بأن يثبتني الله ويعينني بالصبر على الابتلاءات التي أواجهها.

كما أود أن أذكر أمرًا يتعجّب منه من يسمعه، فوالدي للأسف قاسٍ جدًّا علي، ويتمنى زوال الخير عني، حتى إنه لم يهتم بموت ولدي، ويحاول أن يجعلني أمشي بطرق محرّمة، وبفضل الله تجنّبتها؛ لأنها كفر وضياع للآخرة، وبالرغم من نصحي له إلَّا أنه يزداد غضبًا ولا يسمع لي، وأنا الآن في حالة صعبة جداً.

أداري طاعة والدي بما أمرني به الله، وأسكت عن سوء تعامله وكلامه القاتل لي، وبالمقابل هو أساء لي ولسمعتي بدرجة كبيرة، وأنا أتقرب إلى الله كثيراً وأدعوه، وبالرغم من علمي بقول الله تعالى: {ولا تيأسوا من روح الله}. أحيانًا يأتيني فتور ووسوسة كبيرة بعدم تقبل الله مني، وأنه لا يستجيب دعائي، وأن أعمالي هباء، وكثيرًا ما يأتيني خوف لا إرادي، ولا أعلم كيف العمل! وأنا منذ أن توفي ابني في حال صعب جدًّا، ولا أعلم لمن أشكو!

كما أود أن أقول: إن كل من حولي من أهلي والناس بشكل عام أصبحوا -والعياذ بالله- أشد سوءًا في تعاملهم وأخلاقهم معي بسبب والدي، وجميعهم يَدَّعون أنهم على حق، وأن الحق دائمًا بعيد عني، بالرغم من أن والدي يرى الحق معي، إلَّا أنه يأبى النظر له.

أرجو من الله التوفيق والسداد والرشد، وأرجو منكم النصح، ولكم جزيل الشكر والخير، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو أمير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نسأل الله تعالى أن يُعظّم أجرك، ويُخلف عليك بخير ممَّا فقدت.

البلاء –أيها الحبيب– يحمل خيرًا كثيرًا لهذا الإنسان وإنْ كرِهه، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا في أحاديث كثيرة عن حكمة الله تعالى من وراء البلاء مع رحمته بعبده ولطفه به، ومع ذلك يُقدّر عليه من الأقدار ما يكرهه ويثقل عليه، وذلك كله وُفق الحكمة الإلهية والرحمة الواسعة، ومن حكم البلاء أنه تكفير للذنوب والخطايا، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ أَوِ الْمُؤْمِنَةِ، فِي جَسَدِهِ، وَفِي مَالِهِ، وَفِي وَلَدِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللهَ ‌وَمَا ‌عَلَيْهِ ‌مِنْ ‌خَطِيئَةٍ). أو قال: (مَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ ‌وَمَا ‌عَلَيْهِ ‌مِنْ ‌خَطِيئَةٍ).

ومن حكمة البلاء رفع الدرجات في الجنة؛ فإن الإنسان قد يُريد الله تعالى له أن يصل إلى مرتبة في الجنّة لا يصلها بعمله، فيُقدّر عليه من الأقدار المؤلمة ما يُوصله إلى تلك المنازل بسبب صبره واحتسابه.

ومن حكمة الله تعالى في البلاء أيضًا أنه يُخفف عن الإنسان المؤمن شدة التعلُّق بهذه الدنيا وحب البقاء فيها، فيرغب في الآخرة ويتوجّه إلى الله سبحانه وتعالى.

فإذًا: كل البلاء الذي قد يُصيبك إنما يُقدّره الله تعالى عليك لما يعلمه من الخير لك، وقد قال سبحانه وتعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

فإذا استحضرت هذه المعاني هان عليك ما تجده من الشدائد وتُقاسيه من المصائب والآلام.

وأمَّا في تعاملك مع والدك فقد أحسنت -أيها الحبيب- بصبرك عليه وحرصك على بِرِّه والإحسان إليه، وهذا هو الواجب عليك مهما بلغ هذا الوالد، ومهما بلغت إساءته لك، فقد قال الله سبحانه وتعالى: {وإنْ جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تُطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا}، فَأَمَر الله تعالى مصحابة الوالدين بالمعروف مع شدة مجاهدتهما للولد لأن يكفر؛ وذلك لما للوالدين من الحق العظيم، فهما سبب الوجود في هذه الحياة، وعن هذه النعمة (نعمة الوجود) تتفرّع كل النِّعم الأخرى.

ولذا نحن ننصحك بأن تستمر على ما أنت عليه من الإحسان إلى والدك والصبر عليه، مهما وصلك من إيذاءٍ منه.

ومن الإحسان إلى الوالد – أيها الحبيب – أن تُحاول إصلاحه وإصلاح دينه، فتأخذ بالأسباب الممكنة لتجنيبه عقاب الله تعالى، وتستعمل الأساليب المؤثرة عليه، بأن تستعين بمن يمكن أن ينصحه ويُذكّره، إذا كان لا يقبل منك أنت النصح والتوجيه والتذكير، أو أن تُوصل إليه بعض المسموعات ليسمع من خلالها تذكيرًا بالله تعالى وبالدار الآخرة وبلقاء الله، ونحو ذلك من الأسباب والأساليب الممكنة للنصح والتغيير.

وأمَّا ما ذكرته من شأن عدم الاستجابة للدعاء؛ فإن دعاء المؤمن يُستجاب، ولكن كيفية هذه الاستجابة تختلف من شخصٍ لآخر، بحسب ما يعلمه الله تعالى له من الخير والمصلحة، فيُستجاب له بأن يُعطيه ما سأل، أو يُستجاب له فيُدّخر له ثواب هذه الدعوات إلى يوم القيامة، أو يُستجاب له فيجعل الله تعالى دعوته سببًا لصرف بلاءٍ كان سينزل به. أمَّا أنه لا يستجيب مطلقًا فالله تعالى لا يفعل ذلك، ما دام هذا الإنسان آخذًا بأسباب إجابة الدعاء؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردّهما صفرًا)، فاحذر أن يتسلّل الشيطان إلى قلبك ليُوقع فيه اليأس من رحمة الله تعالى والقنوط من فضله، فيقطعك عن الدعاء، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يُستجاب للعبد ما لم يعجل) وقد فسّر هذه العجلة بقوله: (يقول: دعوتُ، دعوتُ، فلم أرَ يُستجاب لي، فيستحسر – يعني يترك الدعاء).

نسأل الله تعالى أن يأخذ بيدك إلى كل خير، ويدفع عنك كل سوء ومكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً