الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرغب في الزواج وترك الدراسة لكن أهلي يرفضون ذلك!

السؤال

السلام عليكم

أنا طالبة في مرحلة الجامعة، وبعمر ١٩ عاماً، وسأنتقل إلى الصف الثاني الجامعي، أنا الثانية على دفعتي، أي من الأوائل، ولكني لا أريد أن أكمل تعليمي، أرى أن الكلية ليست مفيدة، أولاً: أريد أن أتزوج؛ لأني أحياناً تكون لدي رغبة في العلاقة الزوجية، ولا أستطيع التحكم بنفسي، ولكن أهلي يرفضون زواجي، ويريدوني أن أكمل التعليم أولاً.

أُنا ألمِح لأمي عدة مرات بأني أريد الزواج لأشبع رغبتي، ولكن لا جدوى، فأبي لا يمكن أن يزوجني الآن؛ خوفاً على نفسه أمام المجتمع الذي فيه تجريم الزواج قبل الدراسة الجامعية، ويرى أن التي تتزوج قبل إكمال تعليمها تصبح فاشلة، ولا جدوى منها.

أريد أن أخرج من هذه الكلية الغبية، وأتعلم (أون لاين)؛ لأنني أرى أن التعليم الجامعي يستنفد وقتي، ومالي، وتعبي على الفاضي، ونفسيتي غير جيدة بها، ولكن أبي يريدني أن أكون معيدة بالجامعة، وأن أحصل على الامتياز طول الأربع سنوات، وأنا لا أريد أن أعمل في مجال التدريس، ولا في المدرسة، ولا في الجامعة.

مشكلتي أني أريد أن أفعل أشياء لا تعجبهم، ولكني في الواقع أفعل الأشياء التي ترضيهم، ولا ترضيني البتة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Gyma حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يكتب أجرك، وأن يرزقك السلامة وحسن القصد، وحسن الوصول إليه.

أختنا الفاضلة: كتابتك تدل على نبوغك الفكري، وإذا أضفنا إلى ذلك ترتيبك العام، فإننا أمام شخصية تتشكل اليوم، ويوشك أن يكون لها شأن تخدم به أمتنا وديننا، إن شاء الله تعالى.

بالنظر إلى مشكلتك -أختنا- فإننا نجد أنها تدور حول أمرين:
1- ضعفك أمام الشهوة.
2- عدم اقتناعك بالجامعة في مقابل دراسة غير نظامية (أون لاين).

دعينا نناقش الأمرين بهدوء -أيتها الكريمة- بعد أن نضع بعض القواعد الرئيسة:
أولاً: محبة الوالدين لولدهما محبة فطرية، لا تعادلها ولا توازيها أي محبة في الحياة، ذلك أنها محبة مبذولة من غير مقابل، ما من أحد يحب إلا وهو مستفيد إلا الوالدين لا يستفيدان شيئاً من ولدهما، بل ينفقان وهما سعيدان بذلك، في مقابل صلاح ولدهما.

ثانياً: الحياة عبارة عن تراكمات فكرية واجتماعية، والإنسان فيها متقلب المزاج في فتراته الأولى ما بين الخامسة عشرة حتى الخامسة والعشرين، يحب اليوم ما يبغضه غداً، ويرفض اليوم ما يقتنع به غداً، والعاقل هو من يأخذ من تجارب غيره حتى لا يقع فيما وقع فيه.

ثالثاً: إن من أخطر المزالق التي يمر بها الشباب حين يهرب من الممكن إلى المجهول، وهذا أسلوب يستخدمه الشيطان كثيراً مع من هم في مثلك عمرك أيتها الكريمة، وذلك لسببين:

أحدهما: زهد الشاب في كليته يجعله ضعيف الانتباه قليل التركيز؛ وهذا بدوره يؤدي به إلى تقلص مستواه العلمي؛ مما يجعل الدافعية إلى الدراسة تلك ضعيفة أو معدومة، وحتى يحكم الشيطان سيطرته يبدأ بفرضية أخرى مثل: كلية ثانية، عالم افتراضي آخر، السفر للخارج، الدراسة الالكترونية، وكلها تنفيسات لصرف الشاب أو الفتاة عن المشكلة الحقيقية.

ثانيهما: إيجاد فجوة بين الفتاة ومصدر الأمان لها بعد الله، وهما الوالدان، وهذا بدوره سينعكس سلباً على الفتاة؛ مما يجعلها فريسة سهلة لأي نصيحة خارجية توافق هواها، وإن كانت تلك النصيحة مشوبة بالشر، أو بالحرام أحياناً.

عليه فإننا ندعوك إلى توجيه الدفة مرة أخرى إلى جامعتك التي توفقت فيها، وعدم السماح لأي شاغل أن يصرفك عن هذا الهدف السامي.

إن الشهوة -أختنا- أمر طبيعي لمن في مثل عمرك، لكن لها طريقان في التعامل معها:
1- مواجهتها لتهذيبها وصرفها إلى ما ينفعك، لا إلى ما يضرك.
2- إثارتها، وعند الإثارة تصيرين أنت محكومة لها لا حاكمة عليها.

إن الطريق الصحيح للتعامل مع الشهوة هو المواجهة لا المهادنة، ولا الموادعة، ولا المصاحبة، ولا الإثارة؛ لأن الشهوة حين تنحرف عن مسارها لا يشبعها اليوم ما كان يشبعها البارحة، وتلك خطورتها، وحتى تستطيعي التغلب عليها فإننا ننصحك بما يلي:
زيادة التدين عن طريق الصلاة -الفرائض والنوافل- والأذكار، وصلاة الليل، وكثرة التذلل لله عز وجل؛ لأن الشهوة لا تقوى إلا في غياب المحافظة على الصلاة، قال الله (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات)، فكل من اتبع الشهوة المنحرفة يعلم قطعاً أنه ابتعد عن الصلاة، وبالعكس كل من اتبع الصلاة وحافظ عليها وأدّاها كما أمره الله أعانه الله على صحة مسار الشهوة.

اجتهدي في الإكثار من الصيام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).

ابتعدي عن الفراغ عن طريق شغل كل أوقاتك بالعلم أو المذاكرة، أو ممارسة نوع من أنواع الرياضة، المهم أن لا تسلمي نفسك للفراغ مطلقاً، وأن تتجنبي البقاء وحدك فترات طويلة.

ابتعدي عن كل المثيرات التي تثير، واعلمي أن المثيرات سواء البصرية عن طريق الأفلام، أو الكلامية، أو أياً كان من تلك، فإنها لا تطفئ الشهوة بل تزيدها سعاراً.

ننصحك -أختنا- باختيار الصديقات بعناية تامة؛ فإن المرء قوي بإخوانه ضعيف بنفسه، والذئب يأكل من الغنم القاصية؛ لذا ننصحك بالتعرف على أخوات صالحات يعنك على طاعة الله تعالى.

لا تجلسي وحدك كثيراً، ولا تذهبي إلى حاسوبك إلا والباب مفتوح، ولا تخلدي إلى النوم إلا وأنت مرهقة تماماً.

عليك بكثرة الدعاء، أن يصرف الله عنك الشر، وأن يقوي إيمانك وأن يحفظك، ويحفظ أهلك من كل مكروه، نسأل الله أن يغفر لك وأن يسترك في الدنيا والآخرة.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً