الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحببت فتاة لكنها تركتني وتزوجت بآخر!

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب عمري 26 سنة، بسبب أحداث سوريا فقدت أختي المقربة ووالدتي وأخي الوحيد، وهم كانوا أحب الناس إلى قلبي، عشت مأساة لا يعلم بها إلا الله، فقد صبرت أمي على فقدان أختي، ومن ثم قُتلت أمي، وفُقد أخي لأكثر من سنتين، وما أعانني على التحمل والصبر إلا الله.

بعد ذلك فتنني أحد أصدقائي فملت للإلحاد، وما كان لي معين إلا الله، وبفضل الله وحده ومنته بعد الفتنة تقربت إلى الله أكثر، ومن ثم تعرفت على فتاة وأحببتها حباً شديداً، وابتليت بعشقها، وسعيت بما آتاني الله من قوة لأتزوجها.

أنا أصلي و-لله الحمد- وأعلم أن العلاقة كانت محرمة، وكانت فقط على الانترنت، وهي في بلد وأنا في بلد آخر، وشعرت أنها الوحيدة التي شعرت بالاهتمام بها بعد وفاة أقرب الناس إلي، وكانت مؤنسة لي.

الآن خطبت لشخص آخر، وكتب كتابها، وأنا في بلد ليس لدي أوراق ثبوتية فيه، ومحبوس داخل المنزل منذ أكثر من 5 أشهر، وليس بيدي أي حيلة لأخرج من وضعي هذا، لا مادياً ولا غيره، فأنا في سجن، ليس لي صديق ولا قريب، ولا أي أحد، أنا وحدي تماماً، أشعر أني أموت ولا أموت، أشعر بألم كبير.

بدأت أفقد صوابي، وأنا مؤمن، وراضٍ بقضاء الله و-لله الحمد والفضل والمنة- لكن لم أعد أستطيع التحمل، ولا أعلم ماذا أفعل، خيانة الفتاة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بعد أن تعلقت بها وبعائلتها، وأشعر بالوحدة لدرجة تمني الموت، فليس لدي فكر لأعمل أي شيء، ولقد تعبت، فماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يكتب أجرك، وأن يفرج همك، وأن ييسر لك كل عسير، وأن يتقبل عملك، إنه جواد كريم بر رحيم.

أخي الكريم: الابتلاء على قدر المحبة، اعلم -بارك الله فيك- أن هذه الابتلاءات التي مررت بها هي دلالة على محبة الله عندما استقمت على الطاعة لله، فقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن أشد الناس بلاء الأنبياء! نعم الأنبياء أكثر الناس بلاءً؛ وذلك لقربهم من الله تعالى، ومكانتهم التي جعلها الله لهم، ثم بعد ذلك أشباههم، ومن ساروا على دربهم، وهذا -أخي- مما يلين قلبك ويصبرك، ولعل الله يجعل لك العوض.

ثانياً: لست أكثر الناس بلاء، بل هناك من هو الآن أشد بلاء منك، نعم هناك الآن من فقدت كل عائلتها وهي في الصحراء، لا أهل، ولا أخ، ولا بيت، ولا مستقبل، تفترش الأرض وتلتحف السماء، وحين سألوها عن أقصى أمانيها؟ قالت: أن يكون لي خيمة! هذا أقصى أمانيها، خيمة، وهي امرأة، ومع ذلك صابرة، فاصبر يسعدك الله، واعلم أن الجزع يفقدك الأجر، ولن يرد لك الغائب، والصبر يعظم أجرك ويعينك على الاستمرار في حياتك.

ثالثاً: لقد تعجبنا منك -أخي- حين أردت أن تقيم علاقة على أساس محرم، وأنت الشاب الصالح التقي، وأنت الذي تعلم أن هذا الاهتمام بك هو اهتمام مزيف وكذب وخداع، فكيف تثق بفتاة خانت أهلها وكلمت غريباً؟ وكيف تجعل من فتاة لا تعرفها عوضاً عن أمك أو أهلك؟! لقد أخطأت -أخي- في هذا الحساب، ولعل الله صرفها عنك حتى يخلصك من نهاية هذا الطريق المخزي، فتب إلى الله من ذلك، واعزم على عدم العودة إلى ما كنت عليه.

استغل هذا السجن الإجباري في تعلم علوم الشريعة، وحفظ كتاب الله؛ حتى ييسر الله أمرك، وتمر هذه المأساة على خير، وأنت في مكانك يمكنك البداية بتعلم علم العقيدة والفقه، فقط تدخل على مواقع متخصصة في ذلك مثل موقع زادي وغيره، أو تدخل اليوتيوب وتبدأ بخطة دراسية في دراسة بعض العلوم وحفظ المتون، وحفظك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وستجد أن وقتك قد امتلأ بالخير والعلم والمعرفة، ولن تجد وقتاً للملل أو الفراغ.

هذه وصية عظيمة لكل شاب أو شابة يجد الوقت الكثير ولا يعرف ماذا يصنع به، انطلق وتعلم واصنع مستقبلك بيدك، مع الاستمرار والجدية صدقني خلال أشهر معدودة ستجد الفارق الكبير في صفاء ذهنك وتطور تفكيرك، وقبل كل ذلك اسأل الله في كل سجود أن يفقهك في دينك، وأن يجعلك من عباده الصالحين.

قد يكون هذا السجن الإجباري فرصة لك لتتعلم وتفهم وتعرف دينك، وحتى لا تقع في براثن الملحدين، الذين ليس لديهم الحجج القوية، بقدر ما لدى شبابنا من جهل بدينهم، فيكونون عرضة للوقوع في فخ الإلحاد وكره الدين وسب الله، ولو تعلموا قليلاً من العلم لرأوا أن كل الشبه التي يقولها الملحدون والعلمانيون قد تكلم عنها أهل العلم وردوا عليها بالأدلة من الكتاب والسنة، والأدلة العقلية، التي يدعي هؤلاء أنهم يمجدون العقل، وأن الدين لا يهتم بالعقل ويلغيه تماماً، هذا زيف وباطل، فأهل العلم اعتنوا بهذه المسائل، ولكن أين طالب العلم، فأسأل الله أن يجعلك طالباً جاداً للعلم، ولتكن هذه فرصتك، فلا تتردد، وانظر للمستقبل.

رابعاً: أنت شاب قوي وإرادتك صلبة، وقد تحملت في سبيل الله وفاة أهلك، وهذا في سبيل الله، فكيف تضعف أو تفكر مجرد تفكير أن تتمنى الموت جراء انقطاع تواصل محرم عنك؟ يا أخي: الله قد نجاك فلا تيأس ولا تحزن، وسل الله السلامة والعافية.

نوصيك -أخي- بالتواصل مع بعض الصالحين الصادقين حولك، لعلهم يجدون لك مخرجاً، ونحن هنا إخوانك في أي وقت راسلنا، والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً