الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أدفع المال للمواقع المحرمة لممارسة عاداتي القبيحة..كيف أتوب؟

السؤال

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا مدمن منذ زمن على ممارسة العادة السرية، ومشاهدة الأفلام الإباحية، حتى وصل بي الحال إلى أن مشاهدة الأفلام لم تعد تكفيني، فبدأت أدفع المال للسيدات عبر مواقع الإنترنت، وعبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الإباحية المرتبطة بالجنس، لأشاهد أجسامهنَّ العارية، وأحيانًا أرسل لهن صورًا مخلة لجسدي.

لكني بعد ذلك أشعر بالندم الشديد، وأكتئبت بسبب هذا الفعل الشنيع، وأعود للتوبة وأعاهد نفسي على أن تكون توبة نصوحًا، لكن للأسف أعود وأنتكس بعد فترة.

أصبحت أفكر أن الله لن يقبل توبتي؛ لأني أكرر الذنب وكأنني أخدع الله -أستغفر الله-، لأني بعد التوبة أفكر في المحادثات والصور والفيديوهات التي أرسلتها، وأتساءل:
- هل ستظل عليّ ذنوب جارية حتى بعد توبتي؟
- وهل ستبقى تلك الذنوب إذا قام أشخاص آخرون بنشر الصور والفيديوهات التي أرسلتها؟
- كيف أوقف هذا الأمر؟
- وكيف أبتعد نهائيًا عن هذه العادة القبيحة وأتخلص منها؟

أرجو الإفادة، جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك ولدنا الحبيب في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نسأل الله تعالى أن يكفيك بحلاله عن حرامه، وييسّر لك أسباب الاستعفاف.

ونحن نتفهّم -أيها الحبيب- الظروف التي تمر بها وحاجتك إلى الإشباع الجنسي، فأنت شاب في مقتبل عمرك، ولكن في الوقت نفسه نعلم تمام العلم أنك -بإذن الله تعالى- قادر على أن تتحكّم في شهواتك، وأن تضبطها، وإن كان ذلك يحتاج إلى قدر كبير من الصبر والمجاهدة، وهذا الصبر وهذه المجاهدة لها عند الله عظيم الأجر وكبير الثواب، فالشاب الذي يُجاهد نفسه لمنعها عمَّا حرَّم الله سبحانه وتعالى ثوابُه أعظم بكثير من ثواب رجل مُسِن، أو شخص قد قضى شهواته ورغباته في الزواج، ونحو ذلك؛ ولهذا يعجبُ ربنا كما ورد في بعض الأحاديث من الشاب الذي ليست له كبوة، كما قال ﷺ: (إِنَّ اللهَ لَيَعْجَبُ مِنَ الشَّابِّ ‌لَيْسَتْ ‌لَهُ ‌صَبْوَةٌ) [رواه أحمد].

فأنت -أيها الحبيب- مأمور شرعًا بأن تأخذ بالأسباب التي تُعينك على الاستعفاف وتجنب الحرام، وإذا أخذت بهذه الأسباب واستعنت بالله تعالى؛ فإن الله تعالى لن يخذلك، سييسّر لك تقواه، ويُعينك على طاعته، فقد علَّمنا أن نقول في كل يومٍ على الأقل سبع عشرة مرة (إيَّاك نعبد وإيّاك نستعين)، فاستعن بالله ولا تعجز.

وهذه الأسباب التي تُعينك على تجنُّب هذه الحالة التي أنت فيها أوَّلُها الرُّفقة الصالحة، فحاول أن تتعرَّف على الأصدقاء الطيبين، وأن تُكثر من مجالستهم، والتواصل معهم؛ فإن الإنسان مدني بطبعه، يتأثّر بمن حوله.

ومن هذه الأسباب: الإكثار من سماع المواعظ التي تُذكّرُك بالجنّة وما فيها من الثواب للصابرين المتقين، والنار وما فيها من العقاب للعاصين، وتُذكِّرُك بلقاء الله تعالى، وعرض الناس عليه يوم القيامة، والفضيحة على رؤوس الأشهاد لبعض الناس؛ فهذه المواعظ من شأنها أن تُليِّن القلب، وإذا صلح القلب صلحت سائر الأعضاء، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {فإن الذكرى تنفع المؤمنين}.

ومن الأسباب -أيها الحبيب- أن تُجاهد نفسك لحفظ بصرك، وسمعك عن تناول مثيرات الشهوة، فلا تنظر إلى الصور المحرمة، ولا تستمع إلى الأصوات التي تُثير فيك الرغبة والشهوة.

ومن الأسباب أيضًا لو قدرت عليه إدمان الصيام، والإكثار من الصيام، فإنه وجاء، أي بمثابة الخصاء للبهائم، يُقلّل الشهوة ويُضيّق مجاري الطعام والشيطان، وهي مجاري الشيطان في ابن آدم.

وأمَّا ما ذكرته - أيها الحبيب - من شأن التوبة؛ فإنك إذا تبت إلى الله تعالى توبة مستكملة الأركان، يعني: ندمت على فعلك، وعزمت على ألَّا ترجع إليه في المستقبل، وأقلعت عنه في وقت التوبة؛ فإنك إذا فعلت هذا قَبِل الله تعالى توبتك هذه، وكفّر بها خطيئتك، فإذا زللت مرة ثانية وضعفت وأغواك الشيطان، فوقعت في الذنب مرة أخرى؛ فعليك أن تتوب مرة ثانية، وهكذا، هكذا علَّمنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أن نفعل في حديث طويل رواه الإمام مسلم.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: (أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ).

فلا يصدّنك الشيطان عن التوبة، مهما تكرّر ذنبك، جاهد نفسك على أن تتوب إلى الله، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا تبت إلى الله تعالى قبل الله تعالى توبتك ومحا ذنوبك، ولا يضرُّك بقاء بعض آثارها منتشرًا بين الناس، كبقاء بعض الصور أو غير ذلك.

نرجو إن شاء الله أن نكون قد أتينا على كل ما تحتاجه وسألت عنه في استشارتك هذه، ونتمنَّى أن تُجاهد نفسك لتعمل بهذه التوجيهات، وسنسمع منك بإذن الله تعالى في المستقبل القريب أخبارًا سارَّةً عن إعانة الله تعالى لك، واستقامتك واستمرار في طريق الاستقامة.

نسأل الله تعالى لك التوفيق لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً