الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قاطعني أهلي بسبب استقلالي بالسكن عنهم، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم

في البداية أرغب في التوضيح أن كلامي التالي ليس الهدف منه ذم والدتي، أو التقليل من شأنها، ولكني أرغب في الحديث بصراحة عما أشعر به، كي تتمكنوا من فهم المشكلة ومساعدتي.

المشكلة أنني لا أستطيع التحدث مع أمي، فهي عنيدة، والمشكلة تكمن في ذلك، فأنا متزوج، ولدي طفلة، وحين تزوجت أردت أن تكون زوجتي معي، فأنا بعيد عن مسكن والدي، ومن هنا بدأت المشكلة.

لقد أخبرت أبي برغبتي، فظن أني أريد أن أتركهم، فبدأ يساومني على الوقت الذي أحضر فيه إلي زوجتي، علماً بأني أعطيته البراهين التي تطمئنه، وقلت له: لا أريد أن أرتكب معصية مع فتاة، وأنا متزوج، أريد حلالي إلى قربي، فغضب، ونهض قائلاً: افعل ما شئت، ومن تلك اللحظة لا تتحدث أمي معي، إلا في وقت العيد حين آتي إلى منزل والدي، تحدثني أمام إخوتي والناس، وحين أعود إلى عملي، وأتصل بها، لا ترد، لم ترد في المرة الأولى لمدة 6 أشهر، وفي المرة الثانية لمدة 4 أشهر، وهي في ازدياد.

ابنتي كانت مريضة، لم تتصل لكي تطمئن عليها، لا هي ولا إخوتي، أتصل بإخوتي فلا يجيبون إلا بعد مرات عديدة، لأيام عديدة، أما أبي، فحين أتصل به وأطلب التحدث مع أمي، يأتيني بمبرر لكي لا أتحدث معها، إما يقول إنها نامت، أو أنه ليس في المنزل.

فأرجو المساعدة، لقد أصبح ضغط دمي في مستوى كارثي، ويغمى علي من كثرة التفكير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الجليل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.

بخصوص سؤالك، فاعلم -بارك الله فيك- ما يأتي:

أولاً: من الجميل أن يسأل المرء قصداً لمعرفة الحق واتباعه، وسؤالك بهذه الشفافية يدل على أنك تريد الخير، وتريد البر، وتريد معرفة الطريق الصحيح، وهذه بداية جيدة -يا أخي-.

ثانياً: دعنا نضع بعض القواعد التي لا يختلف عليها عاقل قط، وهي أن محبة الوالدين لولدهما محبة فطرية، بل هي أصدق محبة في الحياة، وهي محبة بلا عوض، بلا مقابل، بل محبة خالصة فطرية، وأنت اليوم أب وتدرك هذه المعاني جيداً.

ثالثاً: البر بالوالدين مقصود لذاته، والإحسان إليهما مقصود بعينه، بمعنى أن الوالد أحسن أم أساء، أصاب أم أخطأ، بره واجب عليك، ودين في رقبتك، وصلته فرض تحاسب على التقصير فيها، وإن أخطأ الوالد، بل يذكر لنا القرآن مثالاً على ذلك بأوضح عبارة قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً)، الله الذي خلق الإنسان وأمره بعبادته، وألا يشرك به شيئاً، وأن يتجنب كل ما يؤدي إلى الشرك، يأمره الله إن كان له أب يدفعه إلى الشرك بالله، ألا يطيعه في المعصية، لكن عليه أن يبره! انظر، هذا الله يأمره ببر من يدفعه للكفر به، فكيف بما دون ذلك.

رابعاً: كذلك -أخي- البر إرث مردود، كما أن العقوق كذلك، وليس الواصل من أحسن إلى من أحسن إليه، بل الواصل الحق من أحسن إلى من أساء إليه، قال صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا)، هذا في حق الرحم العام، فكيف بالوالدين.

خامساً: نأتي إلى سؤالك -أخي- ونقول لك: إن هناك فجوة واسعة بينك وبين والديك، إما أنهما لم يفهما نيتك، أو أنك لم تفهم قصدهما، أو أن هناك أمرًا دفعهما إلى اتخاذ هذا الموقف الحاد، وذلك لعدة أسباب:
1- الموقف عام في العائلة كلها، وهذا يعني أن الجميع غاضب منك.
2- الموقف أحدث تحولاً عند الوالدين، وقد كانا يرغبان حباً فيك أن تكون بينهما ومعهما.
3- ستة أشهر لا ترد فيها الوالدة عليك، أمر غير متصور، ولا ندري كيف تحملت كل هذه المدة بدون أن تراها، فإن كنت في دولة أخرى، وصعب عليك النزول، فلك بعض العذر لا كله، أما إن كنت في نفس الدولة، فلا نرى لك عذراً -يا أخي-، بل الواجب عليك من أول مرة لم تجبك فيها أن تذهب إليها، وأن تمكث تحت قدمها حتى ترضى.

سادساً: إننا ننصحك -أخي الكريم- بما يأتي:
1- طرح فكرة عناد والدتك من رأسك، فإن الشيطان أحياناً يعمد إلى وضع حواجز قد يكون أصلها صحيحاً، لكنه يضخمها لتكون عائقاً أمام أي محاولة منك للإصلاح.
2- الجلوس إلى الوالد أولاً، ويستحب أن يكون خارج البيت، والحديث معه عن حبك له، وشوقك إليه، حتى إذا تحركت مشاعر الأبوة فيه، حدثه عن شوقك لأمك، واطلب منه أن يخبرك بما أغضب الجميع منك، فإذا تكلم فالحمد لله، ولا تعارضه في أي قول، دعه يسترسل حتى تعلم أين الخلل تحديداً.
3- بعد أن ينتهي الوالد من حديثه، أخبره أن هناك أشياء لم تكن تفهمها، وأخرى لم تكن تقصدها، وأنك تريد إصلاح ما كان، ودعه يخبرك بالخطة، فهو أدرى وبها أعلم.

أخي الكريم: ما ربح أحد خسر والديه، ولا خسر أحد ربح والديه، والموقف الآن ليس موقف انتصار، ومن المحق ومن المخطئ، الموقف اليوم هو موقف تطييب نفس والديك، والسعي الحثيث إلى إصلاح ما انكسر فيهما من بعدك عنهما، فاذهب بهذه النية، وتحمل تبعاتها، فلن ينصلح في أيام ما ترسخ في شهور، فاستعن بالله -أخي-، واجعل هذه قضيتك الأولى.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يرزقك بر والديك، إنه جواد كريم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً