الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحببت رجلاً في عمر جدي ولا أرى غيره زوجًا لي، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة، عمري 24 سنةً، درست الحقوق، وتخرجت، والآن أنا بصدد إعداد مذكرة الماجستير.

أحببت رجلاً منذ 8 سنوات على شبكة التواصل الاجتماعي -الفيس بوك-، وهو رجل يكبرني بحوالي 50 سنةً أو أكثر، ولكنه يجري مجرى الدم في عروقي، وبحت له بمشاعري نحوه منذ سنوات، ووضحت له مرات عديدة بأن أمنيتي في الحياة أن أتزوجه، وأن يصبح حلالي.

التقيته مرةً واحدةً في حياتي في مكان عام، تحدثنا قليلاً، ثم غاب عني لسنوات، مع العلم أننا لا نفتح الكاميرا أبدًا، ولا نتكلم كل يوم، بل مرتين، أو ثلاث مرات في السنة فقط.

لكنني نادمة على بوحي له بمشاعري الصادقة منذ سنوات، حتى إنني كنت أكتب له الشعر، وقد تبت الآن -ولله الحمد-، وأصلي وأدعو الله في قيام الليل، وفي ليلة القدر، وفي يوم عرفة أن يكون من نصيبي.

أنا الآن حائرة، هل أكرر له طلبي بأن يتقدم لي عن طريق أهلي، ويكون التعارف في أطر شرعية، أم ألتزم الصمت؟ مع العلم أني أخاف من أني إذا التزمت الصمت سيفهم بأني راضية بهذا الوضع، وهذا البعد، وللعلم فهو يعيش خارج حدود الوطن، وأكبر مني كثيرًا، حوالي 80 سنةً!

هل بإمكاني أن أرسل له فيديوهات دينية لموعظته ومعونته على الهداية فقط دون التكلم معه؟ صدقوني أنا لا أقدر على بعده، ولا أستطيع أن أقطع التواصل معه، وأخاف من الله أن يحرمني منه، فنيتي هي الزواج، وكل رجائي من رب العالمين أن يكون نصيبي.

وقد سبق لي أن مرضت وعانيت الألم والمرض؛ من صدق حبي لهذا الرجل!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه.

أختنا الفاضلة: إننا نحمد الله على حبك للتدين، وعلى محاولتك ألا تفعلي ما يغضب الله عز وجل، وتلك نقطة مهمة ستساعدنا كثيرًا في تجاوز ما نحن فيه، ونود منك وأنت تقرئين حديثنا أن تتفهمي أمرين:

1- إننا هنا لننصحك ونحن لا نعرفك، ولكن واجب المسلم تجاه المسلم الصدق في النصيحة مع الدعاء له.

2- لن يتحمل أحد معك الألم، بل أقصى ما يمكن للغير فعله هو مشاركتك الهم، وعليه فالقرار الذي ستقفين خلفه أنت وحدك من ستتحملين تبعاته، وآلامه، وأثقاله، لذا يجب عليك التريث.

أختنا الكريمة: أعظم داء يحيط بالمرء هو الوهم الحقيقي، ولك أن تسألي هل يمكن للوهم أن يكون حقيقيًا؟ والجواب: إن الوهم لا يمكن أن يكون حقيقة إلا في عقل من يعيشه، ومن يتصوره، ومن لا يستطيع التفكير إلا من خلاله، هو يرفض أي حل خارج إطار تفكيره، لذا هو في الحقيقة سجين وهمه، ولو خرج من هذا القفص الحديدي لوجد أن الدنيا أرحب من ذلك بكثير.

أختنا: قصة الحب تلك هي من أساسها وهم، أنت عشت فيه لأسباب نحن نجهلها، فالرجل -كما قلت- في الثمانين من عمره، وهو أقرب إلى أن يكون جدًا لك، لا أبًا فقط، وفكرة الزواج منه هي فكرة مستحيلة عقلاً وعرفًا.

أما عقلاً: فما معنى زواج فتاة في مقتبل عمرها برجل في عمر جدها؟!

وأما عرفًا: فلا هذا الرجل قادر على تجاوز نظرات مجتمعه، وأهله، وأحفاده، ولا أهلك أنفسهم سيتقبلون تلك الفكرة، ولا المجتمع الذي تعيشون فيه، ولا أنت -إن حدث هذا الزواج- قادرة على تجاوز تبعاته؛ فأي فائدة ستعود على فتاة من الزواج برجل في مثل هذا العمر، مع ما يصاحب المسن عادةً من أمراض يحتاج إلى من يعينه على تجاوزها؟

أختنا: إننا نثق في أن هذا وهم الحب، وليس الحب المتعارف عليه، وتأثرك به هو عرض عن مرض، والمطلوب منك البحث عن السبب، البحث عن المرض، هناك الفتيات يفضلن الكبار لأنهم يلعبون في حياتهن دور الأبوة الناقص، وهناك اللاتي عندهن مشاكل مع جيلهن فيهربن إلى جيل آخر، وهناك مشاكل عديدة أغلبها ناتج عن مشاكل أخرى، يحاول صاحبها الهروب إلى الأمام دون معرفة النتائج.

أختنا: إننا نستشعر معاناتك، ونعلم أن الأمر سيكون صعباً عليك، خاصةً وقد عشت هذا الوهم سنوات عديدة، لذا نحب أن نبين لك أن الألم سيكون مصاحباً لك إذا قررت العيش مع الوهم، أو الانفصال عن الوهم، نعم، كلا الأمرين سيكون مصاحباً له الألم، لكن شتان بين ألم يؤدي إلى النجاة، وألم يؤدي إلى الهلاك.

التعايش مع الوهم، وطلب الزواج من جدك، أو من هو في مقام وسن جدك، ألم نهايته الهلاك والدمار النفسي لك. والانفصال عن تلك الفكرة، مع الدعاء لله أن يعينك على ذلك، ألم يوصلك إلى النجاة، والتعايش الطبيعي، وأنت وحدك من تقررين مصيرك القادم.

أختنا: لقد أحسنت بالتوبة إلى الله عز وجل؛ فالتواصل مع الرجل، واللقاء به أمر غير شرعي، وأنت تتجرعين الآن مرارة تلك المخالفات.

ونصيحتنا الصادقة لك إن أردت النجاة أن تفعلي ما يلي:

1- التوقف الفوري عن التفكير في الرجل، مع الدعاء أن يصرف الله عنك هذا الوهم.
2- مسح كل الأرقام التي تتواصلين بها معه، وكذلك مسح كل الوسائط، مع تغيير كل أرقامك، ووسائطك؛ حتى لا يتم التواصل بعد ذلك.
3- التأقلم على أن هذا القرار مؤلم، لكنه أشبه بعملية جراحية يصاحبها الألم لفترة، ثم يبرأ صاحبها -بإذن الله-.
4- وضع جدول زمني للانتهاء من دراستك، مع الانشغال الجاد بها.

5- التعاون مع بعض الأخوات في عمل مجتمعي، والاجتهاد في توسيع دائرة العمل الاجتماعي.
6- الاقتراب أكثر من أبويك إن كانا على ظهر الحياة، أو كبار السن من النساء، والاجتهاد في مساعدتهن.
7- عدم إغلاق الباب لأي خاطب، مع الابتعاد عن أي مقارنة من أي نوع.
8- الحذر من الحديث عن هذا الأمر مع أي أحد، وخاصةً إذا أتاك خاطب.

هذه نصيحتنا لك، ونسأل الله أن يعينك، وأن يسدد خطاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً