الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخطأت في حق نفسي وأولادي وأنا نادم، فبمَ تنصحوني؟

السؤال

السلام عليكم.

أخطأت في حق نفسي وحق أولادي بالإهمال والتصرفات الخاطئة، وأصابني الاكتئاب! لذلك أريد أن أتوب وأصلح بيتي ونفسي.

عندي الكثير من الذنوب، وأنا نادم، وأبكي عند تذكري لها، ولا أجد من أستأمنه لأحكي له، فلدي الكثير من الآلام والهموم!

ادعو لي، وقولوا لي ما يجب عليّ فعله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونحن سعداء بتواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله الكريم أن يعفو عنك، وأن يذلل كل عسير لديك، وأن يصلح بيتك وأهلك، وأن يبارك لك في ولدك، وأن يتوب عليك، وأن يصلحك.

أخي خالد: كنا نود أن نعرف بعض المعلومات حتى لا تكون إجابتنا عامة، فمثلاً أعمار الأولاد لها دور، وكذلك موقف الزوجة منك ومنهم، وطبيعة الخطأ، وهل تم اكتشافه من قبلهم أم لا؟ وما هي ردود فعلهم؟ كل هذه المعلومات كانت ستفيدنا أكثر، لكن على العموم دعنا نجيبك إجابة عامة ستكون نافعة -بإذن الله-، وسنجعلها في عناصر متتابعة:

أولاً: الاعتراف بالتقصير والندم عليه، والاستعداد للتوبة، والسؤال عن الطريقة الصحيحة نصف طريق الهداية والرشاد، المهم أن تكون التوبة فيه صادقة، والعزيمة على الإصلاح راسخة، والجهد متواصل، وسترى الخير -أخي- عندها، فالتوبة والتي هي الاستجابة لأمر الله: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً)، سبب فلاحك في الدنيا والآخرة، (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)، وهي الجالبة لمحبة الله لك، (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)، وسبب لدخولك الجنة ونجاتك من النار، (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا)، والجالبة لنزول البركات من السماء، وزيادة القوة، والإمداد بالأموال والبنين، قال تعالى: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين)، وهي من أسباب تكفير سيئاتك وتبديلها إلى حسنات، قال سبحانه: (إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَٰلِحًا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمْ حَسَنَٰتٍۢ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)، فالحرص عليها من أعظم المقاصد في طريق الهداية.

ثانياً: في هذا الطريق سيعترضك كُثر لإرجاعك عن الجادة: إبليس، ورفقاء السوء، والنفس الأمارة بالسوء؛ لذا وجب أن نحذرك منهم، خاصة من يريد منهم أن يزرع فيك اليأس، من يحاول أن يوهمك بأن الإصلاح مُحال، أو أن الله لم يقبل منك توبة! هذا -أخي- وهمٌ يسوقه هؤلاء فلا تستسلم له، فباب التوبة مفتوح، والله يغفر الذنوب جميعاً، فإذا تبت بصدق، وبذلت الأسباب المعينة لك على إصلاح نفسك وبيتك، فاعلم أن هذا بداية المعافاة -إن شاء الله تعالى-، واعلم أن الله يفرح بتوبة عبده إذا تاب، فعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة) متفق عليه، وفي رواية لمسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)، وهذا يثبت لك سعة رحمة الله بنا، فأمل في الله خيراً، واعلم أن الله كريم غفور رحيم، وهو القائل -جل شأنه-: (‏‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ)، والتعبير بقوله -جل شأنه-: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ)، يدل على سعة رحمة الله، وعدم يأس المؤمن من رحمة الله -عز وجل-.

فالبدار البدار، أقبل على ربك، واعلم أنه البر الرحيم، واحرص على الإسراع قبل أن يأتي ملك الموت الذي لا يعرف عند الدخول باباً مغلقاً، ولا عمراً صغيراً، ولا صحة من مرض، إنما إذا حان الأجل فلا مفر.

ثالثاً: حتى تصح توبتك -أخي- وتصلح ما كان، تحتاج إلى عدة أمور:

1- معرفة الأسباب التي قادتك إلى ما حرم الله وأغضبت منك أهلك وولدك، ومن ثم إزالتها.

2- تقوية علاقتك بالله -عز وجل-، وهذه تحتاج إلى أمرين:

- المحافظة على الفرائض، والاجتهاد في النوافل، ومنها المحافظة على السنن، والأذكار وخاصة أذكار الصباح والمساء والنوم.

- الصحبة الصالحة: وهذه نقطة هامة، فإن النفس لها إقبال وإدبار، ومن المهم وجود صحبة صالحة تعينك على الطاعة وتثبتك على طريق الاستقامة.

3- الاجتهاد في ترميم ما انكسر في نفوس أولادك، والإحسان إليهم، وإيقاظ الأبوة الغائبة في نفوسهم، والاستعانة بأم الأولاد عليهم بعد إرضائها أولاً.

هذه نصائحنا لك، ونسأل الله أن يصلح حالك وحال أولادك وأهلك، إنه جواد كريم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً