الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي وعدني بتزويجي بمن أحببت وأخلف وعده، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رغبت بالزواج من فتاة أحببتها وأحبتني، لكني تركتها لوجه الله حتى يوافق والدي على زواجي منها، وعندما وافق والدي أرسلت لها أطلب رقم والدها، فعلم أبي أن شابًا آخر تقدم لخطبتها، ووافقوا عليه دون قراءة الفاتحة، وأعطاني والدي وعدًا أمام إخوتي بأننا سنتقدم لها في حال رفضها للخاطب، وأنا أعلم أنها سترفضه لأني سأتقدم لها.

أهل الفتاة رفضوا الشاب أملًا بأن أتقدم لها، لكن والدي في نفس اليوم رفض التقدم لطلب يدها، مع أنه أعطاني وعدًا أمام إخوتي، ونحن كتبنا رسالة لأهل الفتاة حول رغبتنا بالتقدم لها.

أفيدوني ما هو الحكم بتصرف والدي في هذه الحالة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.

وبخصوص ما تفضلت؛ فاعلم أننا نتفهم حديثك، وندرك ما تعانيه، ونعرف أساليب الشيطان في تكديرك وتحزينك وتضخيم معاناتك؛ أملاً في انحراف بوصلتك، أو على الأقل في إبقائك في دائرة الحزن والهم.

أخي الكريم: أول ما نخبرك به أن زوجتك التي قدرها الله لك لن تكون لغيرك، حتى لو اجتمع أهل الأرض كلهم، فقد قدر الله الأقدار قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فعن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " فَرَغَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ مَقَادِيرِ الْخَلْقِ، قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ".

ثانيًا: من القواعد المسلمة العقدية أن أقدار الله هي الخير للعبد لو فكر وتدبر، وأن القرآن علمنا أن العبد قد يتمنى الشر يحسبه خيرًا، ويرفض الخير يحسبه شرًا، وهذا بعض قول الله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وعليه فالتسليم هو النجاة -أخي الكريم-.

هاتان القاعدتان هما جماع كل خير؛ فاعتقدهما أولاً لتطمئن.

ثم إليك الجانب العملي:
ثالثًا: قد وافق والدك في البداية ثم تراجع عن موافقته، وهنا لا بد أولاً أن نعرف السبب، وأن نتعامل مع هذا السبب بهدوء وروية، ويمكنك أن تجلس مع والدك في وقت ذهنه خال، وأن تخبره بأن الزواج قدر مكتوب، وأنك راض بقدر الله تعالى، وأنك لن تفعل ما يكرهه أو يغضبه، لكنك كنت تود معرفة أسباب تغيير رأيه، فإذا أخبرك فلا ترد عليه مطلقًا، ولا تدافع حتى لو سمعت كلامًا خاطئًا، دعه يخبرك بكل شيءٍ، فأنت ولده وأنت أحب الناس إليه، وأنت زرعه الذي تعب في الحياة لأجله، وهو لن يفعل إلا ما يراه خيرًا لك.

رابعًا: إن علمت أن الأسباب المذكورة غير حقيقية أبلغه بذلك في وقت آخر، دون أن يكون الإخبار بطريقة منفرة، فمثلاً قل له: لقد تحدثنا البارحة عن كذا، ووجهة نظرك على ما عهدت صحيحة، ولكن إحقاقًا للحق لا طلبًا لشيء: ما ذكرته عن كذا وكذا وكذا ليس صوابًا، والصواب كذا وكذا، بالأدلة التي لا تحتمل الرأيين.

وأما إن كانت الأسباب وجيهة فلا تناقشه، واحذر أن تخالف أمره بالزواج فتعصي الله أولاً، ثم على المحيط الآخر قد رأينا من فعل ذلك كيف فسدت حياته، وضيع أرحامه.

خامسًا: إذا لم يخبرك الوالد بالأسباب فاجتهد عن طريق والدتك، أو عن طريق من تثق بهم من أعمامك ممن يحبهم أبوك ويتحدث معهم، مع إظهار رغبتك له في الزواج عرضًا -أي تلميحًا- دون تصريح؛ حتى لا يكون الرد حاسمًا.

سادسًا: سواء كانت الفتاة لك زوجة أو لغيرك فنحب أن ننبهك إلى أمرين:

1- قد كان بينك وبين الفتاة قبل ذلك حبٌ، وابتعدت صيانة لدينك، وهذا خير -نسأل الله أن يثبتك عليه-، لكنك أخطأت حين أرسلت لها رسالة وهي موعودة بالخطبة، هذا ما كان ينبغي عليك فعله، ولو استمعت إلى كلام أبيك لكان ذلك أفضل.

2- اعلم أن نظرتك إلى الفتاة قبل الزواج فيها إجمالٌ وتغافلٌ، ولكنها بعد الزواج فيها تفاصيل وترصد، فقبل الزواج أن تبصر محاسنها وتتغافل عن مساوئها، وأحيانا تتغافل عن بعض الهنات الواقعة، لكن بعد الزواج سيذكرك الشيطان بما قد كان قبل الزواج، وخاصة تلك المخالفات؛ ليزرع في قلبك الشك فيها، فإن كانت عندك تلك القابلية فانتبه، فقد تغيرت حياة الكثير بعد الزواج بسبب غفلتهم عن هذا الأمر.

وأخيرًا: ما يقرره الله هو الخير لك، فلا تقلق، ولا تهتم ولا تغتم، ولا تخرج عن دائرة أهلك فهذا صيانة لك، واحذر التواصل مع الفتاة قبل الزواج فإنه تواصل محرم، وهو مفضٍ إلى ما تكره.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً