الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رغم توبتي إلا أن الخوف من الفضيحة يطاردني، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنت على ضلال مبين لسنواتٍ، ومَنَّ الكريم -جل شأنه- عليّ بالتوبة، ووفقني لخير كثير، تركت ما يغضبه، والتزمت بهدي أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن-، أو أحسبني كذلك.

تعلمت كثيراً عن الدين، وبفضل الله وكرمه أحافظ على صلاتي، وأتقي الله ما استطعت، بفضله وكرمه.

طوال هذه السنوات بعد التوبة كانت الوساوس تؤرقني أنّ ما اقترفته في الماضي من خطايا سينفضح، وكنت -بفضل الله وكرمه- أدفعها، وأحتمي بذي الجلال والإكرام، ولم يخذلني، وأعلم أنه لن يخذلني أبداً، ولن يترك عبداً استجار به، وليس له من يدفع عنه الضر والأذى إلا هو.

ظللت هكذا لمدة أربع سنوات إلا أشهرًا معدودة، ونالت الوساوس مني، فبعثت برسالة لمن أذنبت معه فيما مضى، أسأله إن كان ينوي إيذائي أو فضحي، ويا ليتني لم أفعل، لم يرد علي هذا الرجل، فزادت الوساوس سوءاً!

أنا الآن في حال سيئة جداً، والله المستعان، لا أستطيع النوم، ولا الأكل، ولا الخروج، ولا أي شيء، فقد تملك مني الخوف، حتى أصبحت جثة هامدة، ولم يتعد على حدوث هذا الأمر إلا أسبوع واحد فقط.

راجعت طبيبةً فأخبرتني أن حالتي سيئة جداً، ويجب أن أهتم بغذائي، أنا لا أستطيع الأكل ولا الشرب، ولا أستطيع إيقاف هذا الخوف، يشتد بي الخوف لدرجة أني أجد صعوبة في التنفس، وأشعر بألم شديد في موضع قلبي.

أمي وأبي يتألمان لرؤيتي في هذه الحالة، وهذا يقتلني، أخاف أن أموت من شدة خوفي فأقهرهما، أعلم أن الله سيسترني، وسيجيرني من هذا الرجل؛ لأني استجرت به جل وعلا، لكن الوساوس تهزمني أحياناً، فيرجع شعوري بالخوف!

بماذا تنصحونني؟ كيف أخرج من هذه المشكلة؟ أدعو الله بأن يخبرني هذا الشاب أنه لا ينوي إيذائي، ولكن الانتظار يقتلني!

هل هناك أي أدوية تقلل هذا التوتر أو الخوف، وتساعدني لأعيش حياة هادئة؟ أعلم أن ما أنا فيه جزاء ما قدمت يداي، وقد تبت إلى الله على إرسالي هذه الرسالة لهذا الرجل، فأسألكم الدعاء أن يقبل الله توبتي، ويعفو عني ويسترني في الدنيا والآخرة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ التائبة لربها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نحن نرى – أيتها البنت الكريمة – أن الله سبحانه وتعالى قد مَنَّ عليك بفضلٍ كبير، وأحسن إليك إحسانًا عظيمًا، ولطف بك لطفًا شديدًا، إذ ستر عليك هذا الماضي، ثم وفقك سبحانه وتعالى للتوبة والإصلاح، وكلُّ هذه أمارات -إن شاء الله تعالى- على حُبِّه لك، فإنك لم تتوبي إلَّا بعد أن تاب عليك، كما قال الله تعالى في آخر سورة التوبة: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118]، فلم يُوفقك سبحانه وتعالى للتوبة والرجوع عن الذنوب إلَّا بعد أن تاب عليك.

ينبغي أن تُحسني الظنَّ بالله سبحانه وتعالى، وأن يكون فعلُه الجميل بك باعثًا لك على الاطمئنان والشعور بالسعادة، والشعور بالنعمة العظيمة أنه أمهلك وستر عليك إلى أن تمكّنت من تغيير أحوالك، فاشكري نعمة الله عليك كثيرًا، واعلمي أن التوبة يمحو الله تعالى بها الذنوب السابقة، مهما كانت هذه الذنوب، كما قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

الذنوب مهما كبرت وعظمت فإن صاحبها إذا تاب فإن الله تعالى يجعل توبته هذه ماحية ومُكفّرةً لذنوبه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (‌التَّائِبُ ‌مِنَ ‌الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ)، وربما صار حال الإنسان بعد التوبة أفضل من حال الإنسان الذي لم يُذنب أصلاً.

نحن ندعوك أولاً إلى التفكُّر في هذه المعاني حتى تعرفي عظيم فضل الله تعالى عليك.

أمَّا ما ينبغي أن تفعليه الآن، فنلخصه لك في الأمور التالية:
- أولاً: استري على نفسك تمامًا، فلا تُحدّثي بماضيك هذا أحدًا من الناس، كائنًا مَن كان، وهذا أمرٌ من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال: (مَنْ أَصَابَ ‌مِنْ ‌هَذِهِ ‌الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ).

- ثانيًا: لا تُراسلي هذا الرجل أبدًا، ولا تُعْطيه أي اهتمام، وحاولي أن تحذفي من هاتفك أرقامه، وما يتعلَّق به، واعلمي أن ما فعلتِه من الاعتماد على الله سبحانه وتعالى واللجوء إليه والتوكُّل عليه ليحميك من شرِّ كل الأشرار؛ اعلمي جيدًا أن الله سبحانه وتعالى لن يخذلك أبدًا، ولن يتركك؛ فإنه سبحانه وتعالى يُجير مَن استجار به، فأحسني الظنَّ بالله.

نحن نبشِّرُك أن تجاهل هذا الرجل لرسائلك والرد عليها علامة -إن شاء الله- على أن الله سبحانه وتعالى يريد بك الخير، فهذا التجاهل منه، وعدم الرد أمارة -إن شاء الله- على ما يُبشِّرُك ويسُرُّ قلبك وخاطرك، وليس العكس.

- ثالثًا: كوني مستعدة للإنكار لأي شيءٍ يُنسب إليك، فيما لو حاول هذا الرجل أن يُؤذيك، أو أن يضغط عليك، فلا تضعفي أبدًا لتُقرِّي بأنك فعلتِ شيئًا، أو أن تستسلمي لضغوطه، فيما لو أراد أن يضغط عليك، ولكننا نستبشر خيرًا لتجاهله لرسائلك وعدم ردِّه عليك، فهذا ينبغي أن يكون باعثًا لك على الاطمئنان والراحة والسعادة، وليس العكس.

نحن على ثقة – أيتها البنت الكريمة – من أنك بتوبتك تمشين في طريقٍ صحيح، وأن الله سبحانه وتعالى أراد لك السعادة، وسهّل لك الطريق الموصلة إليه، فأحسني ظنّك بالله، وابدئي مشوارك الجديد وحياتك الجديدة على ثقة واطمئنان بأن الله سبحانه وتعالى حافظك وراعيك، وأنه لن يُخيّب ظنّك به، فقد قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، ‌فَلْيَظُنَّ ‌بِي ‌مَا شَاءَ).

لا تخافي أبدًا، فإن الله سبحانه وتعالى عليمٌ بحالك وبباطنك، ومهما حصل لك في هذه الدنيا؛ فإنه لا يُساوي شيئًا أمام ما أعطاك الله تعالى من التوفيق والهداية، وبصّرك بالطريق التي تُوصلك إلى رضوانه، فاستبشري خيرًا.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبشرك بكل خير، وأن يصرف عنك كل سوء ومكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً