الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يلازمني شعورٌ بأن الله سيعاقبني بسببب المعصية التي تركتها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابتليت منذ فترة ليست بالطويلة بممارسة العادة السرية، وقد تبت منها الآن، وعازمٌ على عدم العودة إليها، ولكن بعد تركها والتوبة منها يأتيني شعور بأن الله غير راضٍ عني، وأنه سيعاقبني بسببها، مع أنني ملتزمٌ بالصلوات ومحافظٌ عليها.

وبما أنني مقبلٌ على سنة دراسية مهمة أخشى أن الله -سبحانه وتعالى- سيبتليني فيها بسبب تلك المعصية؛ مما سيؤثر على مستقبلي وحياتي الجامعية، فهل هذا الكلام صحيحٌ، أم أنه محض وساوس من الشيطان ليحرفني عن دراستي ويعيدني إلى تلك المعصية؟

ثانياً: أريد منكم ما يعينني على ترك تلك المعصية وعدم العودة لها مجددًا.

وفقكم الله على ما تقدمونه وأعانكم على ذلك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، وشكرًا لك على هذه الرسالة الرائعة، ونبشرك بهذه التوبة، ونبشرك بأن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، ونسأل الله أن يتوب علينا وعليك لنتوب، وأن يعينك على الثبات على هذه التوبة، بل نبشّرك بأن التوبة تجُبُّ ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأن مَن تاب وآمن وعمل عملاً صلحًا فإن الله يُبدِّلُ سيئاته حسنات، وأن الحسنات يُذهبن السيئات، واعلم - ابننا الفاضل - أن التوبة تغيظ الشيطان؛ لذلك الشيطان لا يترك التائب، يأتيه إمَّا أن يُوصله إلى اليأس أو يُرجعه إلى الذنب، ونسأل الله أن يُعينك على الانتصار على هذا العدو، ونوصيك بأن تُكثر من الدعاء واللجوء إلى الله تبارك وتعالى.

ثانيًا: عليك أن تكون في صحبة الأخيار، يُذكّرونك بالله إذا نسيت، ويكونون عونًا لك على طاعة الله إن ذكرت.

ثالثًا: عليك أن تغض البصر، وتستحضر قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبيرٌ بما يصنعون}.

رابعًا: تتجنّب كل ما يُذكّرُك بالماضي وبالمعاصي، وتخلص من أدوات ووسائل المعصية، وحتى المراسيم والأماكن والوقت التي كنت تمارس فيه المعصية؛ هذه كلها اجتهد في تغييرها، واهجر المعاصي، وجاهد نفسك، قال العظيم: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا هِجْرَةَ ‌بَعْدَ ‌الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)، وقال: (‌وَالْمُهَاجِرُ ‌مَنْ ‌هَجَرَ ‌مَا ‌نَهَى ‌اللهُ ‌عَنْهُ).

خامسًا: دائمًا نحن ننصح الشاب بألا يأتي إلى فراشه إلَّا إذا عندما يكون مستعدًّا للنوم، وألَّا يبقى في فراشه بعد أن يستيقظ من نومه، وأيضًا نوصي الشاب كذلك بأن يستنفد ما عنده من طاقات في المذاكرة وفي العبادة والطاعة، وكذلك في أعمال بدنية، من حمل للأشياء وتمارين رياضية، والهوايات النافعة.

سادسًا: على الشاب أن يتجنب الوحدة؛ لأن الشيطان مع الواحد، ويحرص على صحبة الأخيار والصالحين، ويحرص على ذكر الله على الدوام، إلى غير ذلك من الأمور التي تُعين الإنسان على البعد عن هذه المخالفة وهذه المعصية.

أمَّا بالنسبة لتأثير ذلك في المستقبل؛ فأرجو أن تُوقن أن هذا أيضًا من وساوس الشيطان، فإذا صدق الإنسان في توبته فإن التوبة تجُبُّ ما قبلها، والله يُحبُّ التوابين ويُحبُّ المتطهرين، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، ومن أخلص في توبته وصدق في أوبته وأتى بشروط التوبة - بأن أقلع عن الذنب، وندم على ما مضى، وعزم على عدم العود وإن كان هناك حقٌ لآدمي ردَّه - إذا فعل هذه الشروط لا نبشّره بمجرد قبول التوبة فقط، لا، الأمر أكبر من ذلك، وربنا الرحيم الذي يفرح بتوبة مَن يتوب إليه -سبحانه وتعالى- هو الذي يقول:

- {فأولئك يُبدّل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيمًا}.
- وهو الذي يقول: {فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}.
- ويقول: {فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليمًا حكيمًا}.
- ويقول: {أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربهم وجناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين}.

فإذا ذكّرك الشيطان بالمعصية وقُبحها فتذكّر رحمة الرحيم -سبحانه وتعالى- واشتغل بذكر الله، وتعوّذ بالله من الشيطان، وأشغل نفسك بمعالي الأمور، وبالحق وبالخير قبل أن يشغلك الشيطان بالباطل.

أنت -إن شاء الله مُقبلٌ- على صفحات مُشرقةٍ وجميلةٍ، ونسأل الله أن يُعينك على الثبات، وتذكّر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، نوصيك بأن تُكثر من الصوم، ومن الرياضات النافعة، والهوايات المفيدة، وشغل النفس بالمفيد في دينٍ أو دنيا، ونسأل الله أن يُعينك على الثبات والخير.

نكرر لك الشكر على هذه الاستشارة، ونكرر بوصيتنا لك بأن تتعوّذ بالله من الشيطان، وبأن تسُدَّ عليه المداخل، واعلم أن الفقيه الواحد أشد على الشيطان من ألف عابد، فتسلّح بالعلم الشرعي، وواظب على ذكر الله، وتعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم وشِرْكه، والكفر والفقر.

أسأل الله لك الهدى والتقى والعفاف والغنى، ونسأل الله أن يحفظك ويُسددك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً