الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحب العزلة وكتم خصوصياتي عن الآخرين، فهل أنا أناني؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شخص خدوم، أحب مساعدة الناس -الحمد لله-، ليس لأجل أن يحبّوني أو لتحقيق منفعة شخصية، بل لوجه الله، فأنا أحب الله كثيرًا، وأخشى أن أفعل شيئًا في علاقتي مع الناس يكون سببًا في غضب الله عليّ، وأنا طالب في كلية الطب، وعندما أتعلم معلومة جديدة أسارع إلى مشاركتها مع أصدقائي، لكنهم لا يبادلونني نفس الأمر، ورغم ذلك، فإنني أفعل ذلك لوجه الله، وليس انتظارًا للمقابل.

وبعد ذلك، أصبحتُ لا أرغب في مشاركة أي شيء، سواء كنتُ ذاهبًا إلى مؤتمر، أو كنت أذاكر، أو أقوم بأي شيء يفيدني، ولا أحب هذا الشعور، لأنني ببساطة أؤمن بأن من يساعد غيره، فإن الله سيساعده، وهذا يتعبني كثيرًا.

وأمرٌ آخر أنا لا أحب أن يعرف أحد عني أي شيء، كما أنني لا أهتم بمعرفة تفاصيل حياة الآخرين، على سبيل المثال: عندما يتحدث صديقي معي، ويخبرني بأنه درس أو أنجز بعض الأمور، فإنه ينتظر مني أن أشاركه بالمثل، لكنني لا أفعل ذلك، كلامي قليل جدًا، ولا أحب أن أخبر أحدًا أنني أذاكر، كما أنني لا أسأل الآخرين عن أمورهم، مثل: هل كنت تذاكر؟ أو إلى أين ذهبت؟ وغير ذلك، فأنا لست مهتمًا بمعرفة التفاصيل، ولا أرغب في أن يعرف أحد عني أي شيء.

أحيانًا أفكر هل أنا أناني؟ رغم أنني عندما أرى شخصًا حزينًا، أبادر إلى مواساته، وأحاول جبر خاطره، وأساعده قدر استطاعتي، وأشعر وكأنني أنصح نفسي ولست فقط أنصحه، فهل يُشترط أن أُخبر أصدقائي بكل شيء أفعله حتى لا أكون شخصًا خبيثًا؟

أتعب جدًا عند التوقف في مكاني دون بذل أي مجهود، رغم أنني أُريد أن أكون شخصًا ناجحًا، وأحب الخير للآخرين، وأسأل الله أن يبارك للجميع، ولم أنظر إلى ما في يد أحد أبدًا، لكني أشعر بأني مقيدٌ بسبب أصدقائي، رغم حبهم، ولا أعلم لماذا ظهر هذا الشعور فجأة.

في بعض الأحيان عندما أذاكر، أجد صديقي يكلمني ويخبرني أنه أنهى دراسته وأنجز كذا وكذا، رغم أنني لم أسأله، فأجيبه بأنني لم أبدأ بعد، وأنا في الحقيقة كنت أذاكر، لكنه دائمًا متقدم عني، ولا أعلم لماذا هو مهتم بما أفعله، خاصة أن قدراته -ما شاء الله- أفضل مني، ولا أعرف سبب تركيزه معي بهذا الشكل؟!

أنا أُفضِّل مصلحة غيري على نفسي، لكن الله كشف لي بعض الأمور، واكتشفت أنهم يقولون عن صديقٍ آخر لنا: مصلحتنا أهم منه، رغم أنه شخص جيد وطيب لكنه متعب قليلًا.

أعتذر لأن كلامي غير مترابط، لكنني لا أكتب سؤالًا بقدر ما أعبر عن مشاعري، ربما أرتاح بعد ذلك.

أنا أحب العزلة جدًا، وأستمتع بالجلوس وحيدًا، أشرب الشاي أو القهوة، وأذهب إلى الجيم، وأتمشى وحدي. حديثي مع الناس قليل جدًا، لدرجة أنهم لم يعودوا يتواصلون معي؛ لأنني لا أبادر بالكلام معهم.

علمًا أنني مرتاح بهذه الطريقة، ولكني أعود وأقول لنفسي: ربما يحبونك، فلماذا تعاملهم هكذا؟

أحمد الله، فأنا مُحافظ على صلاتي، وأجعل الله دائمًا نصب عيني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخانا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك هذه الاستشارة الرائعة، ونحيي المشاعر النبيلة، وندعوك إلى أن تستمر في الإخلاص، وقل كما قال قائل السلف: "يا نفس أخلصي تتخلّصي"، فالإخلاص هو سبيل الخلاص، واجعل عملك لله تبارك وتعالى، واسأل الله تعالى أن يطهر قلبك من النفاق، وعملك من الرياء، ولسانك من الكذب، وبصرك من الخيانة.

ولا تنتظر من الناس جزاءً ولا شكورًا، وتأسَ بمن مدحهم الله فقالوا: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان 9]، واعلم أن الإنسان إذا ابتغى بعمله وجه الله أُعين على الاستمرار، ووجد اللذَّة والحلاوة، وقهر عدوَّه الشيطان، وإذا كنت محسنًا للناس، فلا تنتظر منهم الإحسان، واجعل أمرك لله تبارك وتعالى، قال تعالى: {إن أحسنتم لأنفسهم وإن أسأتم فلها} [الإسراء 7].

واستمر أيضًا على عدم الدخول في خصوصيات الناس، فإن الأمر كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي بعثه الله للناس: "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، وإذا اشتغل الإنسان بما يعنيه وبما خُلق له أراح نفسه وأراح غيره.

ولا تتأثر بالكلام الذي يصدر منهم، أو بالأسئلة التي تأتي منهم، فهذه من طبائع البشر، لكن ديننا يكره الفضول، ويكره إزعاج الناس بالأسئلة، ويكره أن يتشبّع الإنسان بما ليس فيه، بعض الناس يقول: (أنا ذاكرتُ وهو لم يُذاكر، خلصتُ وهو لم يُخلّص)، بصرف النظر عن الأهداف التي في نفسه، إلَّا أن المبالغات في مثل هذه الأمور والمقارنات تؤثر على النفوس سلبًا.

ولا تقف مع هذه المواطن والمواقف، ولا تتجسس عليهم، ولا تفرح إذا كشفهم الله لك، مرة أخرى: إن أحسنوا فلأنفسهم، وإن أساؤوا فعليها.

أشغل نفسك بمعالي الأمور، واعلم أن العزلة من الناس قد يكون فيها الخير، لكن لا بد أن تكون باعتدال، والإنسان في تعامله مع الناس ينبغي أن يُعاملهم على أن في الناس مَن هو كالهواء يحتاجه الإنسان في كل وقت، ومنهم من هو كالغذاء يحتاجه الإنسان في أوقاتٍ محددة، ومنهم مَن هو كالدواء يحتاج أن يُذكّره ويحتاج إلى أن يُعينه على أن يتجاوز لحظات الهبوط التي تعتري الإنسان، ومن الناس مَن خُلطته داء، والناجح هو الذي يُحدد المسافة بينه وبين الناس.

لكننا لا نُشجّع العزلة الكاملة عن الناس، ولكن من حق الإنسان أن ينتقي الأخيار، الذين إذا رأيتهم ذكّروك بالله، وإذا أطعت الله أعانوك على الطاعة، وإن غفلت نبّهوك ونصحوك، وما أُعطي الإنسان بعد الإسلام أفضل من صديقٍ حسن، يُذكّرُه إذا نسي ويُعينه على طاعة الله إنْ ذكر.

لا تنزعج بما يحصل من الناس، وأشغل نفسك بطاعة رب الناس، ونسأل الله أن يُسهّل أمرك، وأن يُلهمك السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً