الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي لا يصلي ويتعمق في دراسة الشبهات العقدية، فكيف أنصحه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

متزوجة منذ 9 سنوات، وكنت أعلم منذ بداية زواجنا أن زوجي لا يحافظ على الصلاة، وتأكدت من ذلك بعد الزواج، ونصحته كثيرًا، فيرد: أود أن أصلي، لكني لا أعلم سبب عدم انتظامي، علمًا أنه يستجيب للنصح أحيانًا فيصلي ثم ينقطع.

ما يقلقني الآن اهتمامه في الاستماع إلى الأمور الشائكة في الدين، فهو يجلس ويتحدث معي عن المعتزلة والأشاعرة، ويسألني: هلي تعرفين عنهم شيئًا؟ وأنا لا أكذب ولا أعرف عنهم أي شيء، ويستمع أيضًا للمشايخ والملحدين؛ لأن ذلك يزيد يقينه، ويتحدث معي عن الاختلاف بين أهل السنة والأشاعرة، وفي السنة الأخيرة أصبح كلامه أن كثير من المشايخ في هذا العصر هم أناس قرؤوا الكتب ثم خرجوا ينقلونها للناس، دون أن يتعلموا على يد العلماء، وكل من أراد الحديث في الدين، يفتح قناة على الإنترنت، ويتحدث ويسمعه الجمهور، وهم يدسون السم في العسل، وما يضايقني هو تصنيفه لشيوخ الدين، هذا كذا وذلك عمله قليل، وحججه ضعيفة.

أصبحت أخشى على نفسي، لأني أتعجب من رغبته وتعمقه في هذه الأمور، وبالمقابل لا يحافظ على صلاته، ولا يقرأ القرآن إلا في رمضان، ولا يصوم إلا رمضان فقط، علمًا أنه يعمل في بلاد الحرمين، ولم يذهب للعمرة منذ خمس سنوات، ويتحجج بالظروف.

منذ عدة أيام أخبرني بأنه يقرأ كتاب يتناول فكر المعتزلة، وهو يعلم أن من يقرأ الكتاب ربما يقتنع بهذا الفكر، وزوجي يبحث في الإنترنت، ويقرأ الردود على ذلك الكتاب، لكنه يقرأ الكتاب، ويبحث على الإنترنت عن الردود على ما في الكتاب، فالإنسان لا يأمن من الشبهات، علمًا أني لم أشاهده يدعو الله أبدًا، وحين سألته رد قائلًا: إنه يدعو الله، فهل قلقي ومخاوفي في محلها؟ وماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خديجة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

نشكر لك تواصلك مع الموقع، وحرصك على إصلاح حال زوجك، ونسأل الله تعالى أن يُقرَّ عينك بصلاح حاله، وأن يكتب لك أجرك على كل جهدٍ تبذلينه لمناصحته وتذكيره بواجباته.

وقد أصبت كل الإصابة حين أدركت بأن أمر الصلاة ينبغي أن يكون مُقدَّمًا على كل شيء قبله، فهو ثاني أركان الإسلام، وأول الأركان العملية، وفرضيتها مُجمع عليها بين كل مَن ينتمي للإسلام، لا اختلاف فيها.

وننصحك بأن تُذكّري زوجك بهذا المعنى دائمًا، أن الصلاة لا اختلاف فيها بين المسلمين، وأنه آكد الفرائض التي يجب على الإنسان أن يقوم بها، وأن الذنب في تركها كبيرٌ جدًّا، وهذا ممَّا اتفقت عليه كلمة المسلمين من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، وأن العاقل ينبغي أن يكون حريصًا على ما ينفعه، فنحن في زمنٍ نعيشه على هذه الدنيا قصير، الرسول -صلى الله عليه وسلم- أرشدنا فيه بالحرص على ما ينفع، فقال: "وفي كل خيرٍ احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز"، وأن من الخذلان والضياع أن يشتغل الإنسان بما لا يرجع عليه بنفع، ولا يعود عليه بفائدة، مع تضييعه لما هو أهم وممَّا هو أولى.

هذا القدر من النُّصح وهذا النوع من الطرح على زوجك لا شك أنه سيدعوه إلى التأمُّل والتفكُّر، فاجعليه واحدًا من الأساليب التي تتبعينها في نُصح زوجك وتذكيره.

كما ننصحك أيضًا بمحاولة التأثير عليه بطرق غير مباشرة، كإبدائك لحبك له، وحرصك عليه، وخوفك على مصالحه، وأنه وإن كان مُصيبًا في كثير ممَّا يقول؛ فإن هذا السلوك بخصوصه ينبغي أن يُراجع نفسه فيه، وألَّا يجعل للشيطان سبيلاً وطريقًا لوقوعه في الخسارة، ونحو ذلك من الكلام الطيب الذي يقبله الزوج، ولا يشعر معه بالنقص أمامك.

ومن الأساليب التي ينبغي أن تحرصي عليها أيضًا: محاولة إقامة العلاقات الأسرية مع الأسر التي فيها رجال صالحون طيبون، سواء كانوا من الأقارب أو من غيرهم، حتى يتأثّر بهم؛ فإن الإنسان لا بد أن يتأثر بمن يُجالسه ويُصاحبه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المرء على دين خليله".

ومن الأساليب أيضًا التذكير غير المباشر، بأن تُسمعيه المواعظ التي تذكر الجنة وما فيها والنار وما فيها، ونحو ذلك من المواعظ التي تُرقّق القلب وتغرس فيه الخوف من الله تعالى، فالإيمان إذا قوي في القلب صلحت أحوال الإنسان الظاهرة، كما دلّت على ذلك الأحاديث النبوية الكثيرة.

وأفضل ما نُرشدك إليه هو اللجوء إلى الله تعالى، بالدعاء الصادق أن يهديه ويردّه إلى الحق ردًّا جميلاً، فإن الدعاء من أعظم الأسباب للوصول إلى المقدورات المحبوبة.

ننصحك بالاستمرار على ما أنت عليه، من تجاهل الموضوعات التي يطرحها عليك زوجك ممَّا يتعلّق بتفاصيل علوم العقيدة، وتجاهلك لها وإبداؤك عدم العلم بها، وعدم الرغبة في معرفتها؛ سيجعل زوجك يُقلّل الاهتمام بها وبطرحها عليك.

أمَّا بشأن ذكره المشايخ والدعاة والعلماء ونحوهم؛ فيكفي أن تنصحيه نصيحة إجمالية، بأن هذا قد يكون فيه وقوع في عرض الإنسان المسلم، بغض النظر عن مقدار علمه، وأنه لا فائدة للإنسان من وراء تشخيص مقدار العلم الذي يحمله كل شخص من هؤلاء، وأنه وإنْ وُجدتْ مخالفات من كثيرٍ منهم، فإن كل إنسان يُجزى بعمله، فلا ينبغي للإنسان أن يُهدي حسناته للآخرين بذكرهم بما يكرهون.

هذا النوع من الطرح مقبول لدى زوجك ومُذكّرٌ له.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً