الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ينتابني شعور مخيف عندما أفكر في دوام نعيم الجنة، ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قد تستغربون مني، لكني والله بالفعل عندما أجلس مع نفسي وأفكر تفكيرًا جِدِّيًا في أهل الجنة - اللهم اجعلنا منهم - أنهم لا يفنون أبدًا، والجنة لا ينتهي نعيمها، وأهلها باقون فيها إلى ما لا نهاية وإلى الأبد، أحس أن نبضات قلبي تزداد خوفًا، وأقول لنفسي: يعني نحن في الجنة بإذن الله لا نموت ولا نفنى، يعني نظل فيها بإذن الله دائمًا وأبدًا خالدين فيها، ثم يعقب ذلك شعور بالخوف الشديد من ذلك.

يمكن من يقرأ كلامي يستغرب، ولكن والله هذا ما يحدث عندما أفكر، وأتخيل الجنة باقية لا تنتهي ولا يبيد نعيمها، ثم أقول "طيب إلى متى؟ إلى ما لا نهاية؟"

والله هذا الشعور أقلقني وأتعبني، لا أدري ماذا أفعل عندما يحدثني أحد عن هذا الأمر؟ أرد عليه بكل ثقة، وأقول: "طيب أنت في هذه الدنيا التي كلها نكد وبلاء وهم، هل تريد أن تموت؟ يقول: لا، أقول له: كيف بالجنة إذن؟"

ماذا أفعل كي أتخلص من هذا الشعور المخيف جدًّا؟ ولكن لا تظنوا أني أُفَضِّل الدنيا على الآخرة، كلا والله، بل الآخرة هي ما أرجوها، وهي عندي خير من الدنيا، وأدعو الله دائمًا أن يدخلني جنة الفردوس، وينجيني من النار، لكن بالفعل هذا الشعور قد أتعبني جداً نفسيًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لميا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلًا بك - أختنا الفاضلة - في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.

وبخصوص ما سألت عنه - أختنا الفاضلة - فنود أن نطمئنك ابتداءً بأن هذا الشعور قد مر به كثير من الشباب المتدين، ويصلون إلى مثل ما وصلت إليه من الخوف المشوب بالقلق مع السعادة التي تنتاب المرء كونه يُبشّر بالجنة لقول الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62-64].

فالأمر طبيعي ولا يحتاج إلى مزيد من القلق، وحتى في الدنيا - أختنا الفاضلة - لو قالوا لك الآن ستنتقلين من موطنك الذي عشت فيه إلى موطن آخر إلى نهاية العمر، لأصابك الخوف والقلق، حتى لو كان المكان الذي ترحلين إليه أفضل من المكان الذي تقيمين فيه.

والسؤال: لماذا نجد هذا الشعور المزدوج؟! والجواب: لأننا نحكم بالعقل القاصر على الغيب الكامل، وهذا أمر لا يفضي إلا إلى هذه النتيجة.

وقد أحسنت حين ضربت مثلا على الحياة وحكمت عليها، فلو قيل لك تعيشين في هذه الدنيا وسط أهلك وبلدك وأصحابك، لاخترت الحياة الأبدية التي لا موت فيها، مع أنها كما وصفت دار كدر وتعب وغم وهم وتكليف، فكيف بالجنة وما أعده الله - عز وجل - فيها.

بل أسأل: لماذا يحصل هذا الخوف والله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}؟! [الأحقاف: 13]، فلماذا الخوف وقد أنزل الله في كتابه وعوداً كثيرة للمؤمنين بأن لا يخافوا ولا يحزنوا، وأن يستبشروا بالجنّة، وبالملائكة يُطمئنونهم؟! قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت: 30-31]. ووعد الله المؤمنين بالمغفرة والأجر العظيم فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 9]، {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 72].

إذًا ينبغي أن نطمئن لهذه الوعود، وألَّا يكون عندنا شك في وعد الله بالجنة.

أختنا الفاضلة: لو سألك سائل ما المدة التي تحبين أن تمكثي فيها مع والديك، وقال لك حددي أنت المدة لكان جوابك العمر كله، وما بعد العمر لو صح، وهذا لمحبتك لهما، فكيف إذا التقيت بالله الذي خلقك وخلق السماوات والأرض وما فيهن!

الجنة - أختنا الفاضلة - مهيأة تمامًا للاستمتاع الدائم الذي لا يعرف شيئا اسمه النهاية، وهذه لذتها، في الجنة صحبة الصالحين ورؤية النبيين والمرسلين، وعالم آخر كله متع لا تعرف النصب ولا التعب.

والسؤال الذي ينبغي أن نشغل نفسنا به: كيف ندخل الجنة؟ هذا هو السؤال المطروح عليك أختنا، ومدة الإجابة هي عمرك وليس هناك وقت إضافي، وليس هناك إعادة محاولة، فانتبهي ولا يشغلك الشيطان بما يفوق قدراتك العقلية، فالعقل قاصر عن إدراك بعض الحياة، فأنى له أن يدرك الغيب، وانشغلي بما يقربك من الله عز وجل، وضعي لنفسك جدولا من الطاعة لا يفضي إلا إلى الجنة ورضا الرحمن عليك.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يكتب لنا وإياك الجنة، وما قرب إليها من قول وعمل، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً