الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتوب من ترك الصلاة وسماع الأغاني؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أظن أن هذه الاستشارة ستكون طويلةً نوعاً ما، لكن لديّ الكثير من المواضيع التي تهمني وأريد الحديث عنها.

أولاً: أنا للأسف لم أكن أصلي، وقمت بالكثير من الذنوب، كالكذب الذي أصبح هوايتي، والاستماع للأغاني، والسب والشتم، والحسد، وغيرها، لكني قررت أن أتوب، لأني لست راضيةً عن حياتي الحالية، وأشعر بخوف شديد من الموت، وكلما سمعت أن شخصاً مريضاً بمرض خطير، يصيبني خوفٌ شديدٌ من أن أصبح مكانه، وأشعر بالذنب؛ لأنني قررت أن أتوب سابقاً، لكني عدلت عن ذلك بعد أيام قليلة.

في الحقيقة عندما قررت أن أتوب بدأت أفكر في الأشياء التي يمكنني فعلها، والتي لا يمكنني القيام بها، وأحسست بالضغط، مثلاً أحب كثيراً الاستماع للأغاني لكنها حرام، ولا أريد تركها؛ لذا لا أعلم ماذا أفعل؟!

هناك مشكلةٌ أخرى أعاني منها، وهي أني لست اجتماعيةً كثيراً، وأعاني من الخجل؛ وهذا جعلني أعزل نفسي عن الناس، وأعاني من التفكير السلبي تجاه المستقبل، رغم أني أدرس بجد، لكني لا أعلم لماذا أدرس بذلك الجد؟! ربما فقط للحصول على علامات جيدة لأرضي والديّ! ليس لديّ أهداف ولا طموحات، وأكره نفسي؛ لذلك كنت أريد أن أتحجب، لكن بحكم الشعبة التي أدرسها لا أستطيع ذلك، ووالدي لن يسمح لي أيضاً، وهذا يحبطني، وأقول مع نفسي: ما الفائدة من التوبة إذا لم أترك جميع المعاصي؟

أعلم أن هذا النص طويلٌ نوعاً ما، لكني قمت باختصار مشاكلي لحد كبير، وأتمنى أن أجد حلاً لحالتي!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Safae حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يصرف عنك الأذى، وأن يصلح قلبك على دينك، إنه جواد كريم.

أختنا الكريمة: من علم مقصوده هان عليه مبذوله، ولو سكنت محبة الله في قلبك بصدق لما عرفت غير طريق إرضائه، وما تتحدثين عنه من معاص وحب أغان وتضييع صلاة، ما عظم في قلبك إلا لجهلك بدينك ومحبوبك، وما أعده الله لمن أطاعه، وما أعده لمن أطاع هواه وخالف دينه.

أختنا: هل تعلمين أن أهل الطاعة يستمتعون بطاعتهم أكثر من استمتاع العصاة بالمعصية؟! ربما لا تتوقعين هذا الكلام، لكن يوم أن تجتهدي في طاعة الله ويفتح لك باب القبول ستدركين هذا الكلام جيداً، وستعلمين أن ما أنت فيه من محبة وحرص على السماع ما هو إلا حبٌ مزيفٌ، ومتعةٌ ناقصةٌ، لكن ضخمها الشيطان في قلبك فصرت أسيرةً له.

أختنا: حدثينا عن أي متعة في الدنيا خاتمتها غضب الله وعذابه، كيف يهنأ بها صاحبها؟ وحدثينا عن أي طاعة خاتمتها رضوان الله ومحبته كيف لا يهنأ بها صاحبها ويسعد؟

أختنا: إن التردد الحاصل معك في الإقبال على الله سببه أمران:
1- تلاعب الشيطان بك، وإيهامه إياك أن السعادة في الغناء أو المعاصي، وأن من المحال ترك ما أنت عليه.
2- غياب معرفة الطاعة وأثرها وفضلها وما أعده الله لأهلها، وكذلك غياب المعصية وشؤمها وأثرها وما أعده الله لأهلها، ولو عرفت الأمرين معاً؛ لكن هذا دافعاً لك على ترك ما يغضب سيدك عليك، وفعل ما يرضيه عنك.

مثلاً: الصلاة التي تكاسلت عنها، هل تعلمين أنها عمود الإسلام العظيم، وركنه القويم، وأنها الفارقة بين الكفر والإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بين الرجل وبين الكفر -أو الشرك - ترك الصلاة) أخرجه مسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).

هل تعلمين أن أهل العلم قد ذكروا أن تارك الصلاة لا حظ له في الإسلام، مستدلين بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"؟ هل تعلمين أن الصحابة رضوان الله عليهم، كانوا لا يعدون شيئاً من الطاعات تركه كفر إلا الصلاة، كما قال عبد الله بن شقيق: لا يرون من الأعمال شيئاً تركه كفر إلا الصلاة؟ هل تعلمين أن الله قد قال فيمن ترك الصلاة أو تكاسل عنها (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) [الماعون: 5]؟ وقد قيل إن الويل واد في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه، نسأل الله السلامة والعافية.

ثم بعد أن علمت هل هان عليك ذلك وأنت المسلمة لله عز وجل؟
ولعلك تسألين: كيف أصلي وأحب الصلاة، ونحن نقول لك: الأمر يحتاج إلى جهد وصبر، فقد قال الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) ويعينك على ذلك ألا تتعاملي مع الصلاة على أنها تكليفٌ ثقيلٌ عليك، بل تعاملي معها على أنها صلة وقربة بينك وبين الله، اجعلي من هذا اللقاء أن يكون له هدفٌ وهو إشباع الجانب الروحي لديك، اجعلي من أهدافك أن تكوني مع الصلاة، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لبلال: "أرحنا بها يا بلال".

يعينك كذلك استحضار عظمة من بين يديه تقفين، ومن إذا طلبته أجابك، وإذا استنصرته نصرك، ومن تفضل عليك بالنعم، وعافاك من كثير من النقم، بهذا يقوى هذا الجانب، أما إذا تعاملت على أنه تكليف وواجب تؤدينه، ستملين بعد قليل وتبتعدين بعد القرب.

- كذلك اجعلي لك ورداً من قراءة كلام الله، ولو كان قليلاً، المهم أن تفهمي ما تقرئين، وأن تتعايشي مع كتاب الله فهماً وتدبراً وتذوقاً؛ فإن هذا جالبٌ للنقاء والصفاء، وهو الطريق لزيادة الإيمان، كما قال الله عنهم: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} يقول ابن القيم رحمه الله: "قراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى في حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن".

- كذلك الإكثار من ذكر الله على كل حال: دائماً -أختنا- اجعلي لسانك رطباً بذكر الله والاستغفار والتسبيح، قال صلى الله عليه وسلم: " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت ".

- اجتهدي في مخالفة الهوى بتقديم ما يحبه الله ورسوله، وثقي أنه بعد فترة من التعود سيتغير الحال، وستجدين طعم الإيمان، نعم طعم الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار".

- الابتعاد عن المعاصي، لأنها سببٌ في نقصان الإيمان، فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أُشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، وآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أَشرب من هواه " رواه مسلم. ومرباداً أي مخلوطاً حمرة بسواد، وكالكوز مجخياً، أي كالكأس المنكوس المقلوب الذي إذا انصب فيه شيءٌ لا يدخل فيه.

وقد قال ابن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب --- وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب --- وخير لنفسك عصيانها

- كذلك الحرص على وجود الأخوات الصالحات في حياتك؛ فهو معينٌ لك كثيراً، احرصي على التعرف عليهن، ولن تعدمي ذلك، فالخير موجودٌ وإن كان قليلاً، واعلمي أن هذا كان ديدن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحرص على مثل هؤلاء الرجال، كان معاذ بن جبل يقول لأصحابه إذا جلس مع أحد منهم: "اجلس بنا نؤمن ساعة".

فالصاحب كما قيل ساحب، وقد قال الشاعر:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه --- فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقال آخر:
فصاحب تقياً عالماً تنتفع بـه --- فصحبة أهل الخير ترجى وتطلبُ
وإياك والفسـاق لا تصحبنهم --- فقربهمُ يُعدي وهذا مجــربُ
فإنا رأينا المرء يسرق طبعه --- من الإلف ثم الشرُ للناس أغلبُ

وأخيراً: الحجاب بمعنى تغطية البدن عدا الوجه والكفين واجب عليك، ولا يجوز بحال تركه، وعليك الحديث مع الوالد والوالدة في ذلك، والاستعانة عليهم بكل ذي كلمة عليهما.

أختنا الكريمة: يقول تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَىٰ (13) فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ (21)} [سورة الليل5-21].

كرريها أختنا، واختاري الطريق الذي تحبين، نسأل الله أن يهديك وأن يصلحك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً