الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استغلني باسم الزواج ثم تركني وذهب!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعرفت على شاب من بلدي، كان يعرفني من بعيد، ويسمع عني كل خير، ويعلم أني ملتزمة وأحترم نفسي وذاتي، في أول حديث بيننا صارحني برغبته في الزواج مني، ويريد أن نتعرف على بعضنا جيدًا، كان مهتمًا بي ويسأل عني في كل وقت، ومن خلال كلامه شعرت بالأمان، وشعرت بصدق مشاعره.

تحدثنا عن كل شيء، ووعدني بالزواج، بينما كنت مترددة في البداية، فاقترحت عليه أن نصلي صلاة الاستخارة، وننتظر إشارًة من الله، فقد يكون الأمر شرًا، وبما أن عائلته متمسكة بتقاليد مجتمعنا فمن المحتمل أن يرفضوا زواجنا؛ لأني مطلقة وهو كذلك، فرد قائلًا: أنا أعرف عائلتي جيدًا، ومتأكد من قراري بالزواج منك، فلا تهتمي لشيء.

كانت علاقتنا جميلة، وشعرت حقًا أنها المرة الأولى التي أحب فيها شخصًا في حياتي، واهتمامه الكبير بي وأفكاره الوردية، جعلتني أشعر بأنني آخر حب في حياته، لدرجة أنه إذا مرض، كنت أشعر بالمرض أكثر منه.

بعد عدة أشهر طلب مني لقاءه في خلوة، يعني علاقة غير شرعية، فرفضت رفضًا قاطعًا، لكنه كان يلح علي يوميًا، وكان هذا الطلب يزعجني كثيرًا، ومع ذلك لم يخطر ببالي أبدًا أن أقع في المعصية، فأنا أخاف الله، وكل يوم يقول: أنت زوجتي، ولدي نية الزواج، ومن المستحيل أن أتخلى عنك. وأرد عليه: الحلال بين والحرام بين فتقدم لخطبتي، وبعد العقد سأصبح زوجتك بالحلال.

وأخيرًا استسلمت وذهبت معه، فتغير علي بعد أسبوع، وبعدها صارحني أنه لا يستطيع الزواج من مطلقة، أنا الآن في حالة من الضياع، أبكي ليلًا ونهارًا، وأطلب من الله أن يغفر لي، هذا الرجل استغلني ولعب بمشاعري، فتغيرت حياتي، وأشعر أنني في كل يوم اقترب من الموت، وأطلب الله كل يوم لعله يغفر لي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن يغفر لك ذنبك ويتوب عليك، والأمر لا يحتاج لكثير من التعليق والبيان، فقد أدركت الآن بنفسك أن هذا النوع من العلاقات ما هو إلَّا بابُ شرٍّ يفتحه الشيطان؛ ليستدرج منه الإنسان إلى الفواحش والآثام، فيندم بعد وقوع المكروه.

والحمية من هذه الآثام هو التزام الآداب الشرعية، والوقوف عند حدود الله -سبحانه وتعالى-، وبذلك يُسدُّ الباب، ويُقطع دابر الشرِّ، ويحمي الإنسان نفسه من الوقوع في مساخط الله تعالى قبل حصولها.

فاستفيدي من هذا الدرس الذي وقعت فيه، واجعلي منه عبرة لما يُستقبل من أيامك، وأمَّا ما حصل فإنه وإن كان ذنبًا عظيمًا وجُرمًا كبيرًا، إلَّا أن الله -سبحانه وتعالى- سيغفره لك إنْ صدقت في التوبة، والتوبة تعني: الندم على فعل الذنب، والعزم على عدم الرجوع إليه في المستقبل، مع الإقلاع عنه، فمن تاب تاب الله عليه، والتوبة تمحو ما كان قبلها من الذنب مهما كَبُر ذلك الذنب، وقد قال الله سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25].

وقد دعا الله مَن وقع في الزنا إلى التوبة في القرآن الكريم، فقال في آخر سورة الفرقان في وصف عباد الرحمن: {وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 68-70]، فهذه الآية من أعظم البشارات للإنسان المؤمن إذا وقع في هذا الذنب العظيم، أنه إذا تاب تاب الله عليه، وبدَّل سيئاته حسنات.

فينبغي أن تتذكّري فضل الله تعالى ورحمته، وأن تشكري نعمته عليك أن أمهلك وأبقاك على قيد الحياة إلى أن تمكنت من التوبة وإصلاح عملك.

نُكرر ونعيد الوصية -أيتها الأخت الكريمة والبنت العزيزة- بأن تقفي عند حدود الله، وتلتزمي الحجاب الشرعي، وتحذري من إنشاء علاقات أو اتصالات مع الرجال الأجانب، واعلمي أن الله سبحانه وتعالى سيجعل لك بتقواك فرجًا ومخرجًا، وسيُيسّر لك أمورك، فمن كان مع الله كان الله معه، وقد قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3].

وهذا الرجل الذي عرّض لك في حياتك ووقع منه ما وقع ما هو إلَّا واحدٌ من الذئاب البشرية، التي تسعى في المكر والخديعة، وقد رآك سهلة مِطْواعةً، فوقعت في شِراكه، فاحذري من أن تقعي في مصيدة غيره، واحتمي بالله -سبحانه وتعالى-، واجعلي من تقواك له دِرْعًا واقيًّا تتقين به مَن يقصدُك بالسوء والشرِّ.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوب عليك، وييسّر لك أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً