الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتعبني الشعور بالخوف من العقوق بسبب حساسية أمي الزائدة!

السؤال

السلام عليكم
بدايةً جزيل الشكر لكم إخوتي على هذا الموقع الرائع.

مشكلتي وببساطة حساسية والدتي، أمي سيدة طيبة ومتدينة، وتحبني كما أظن، لدي إخوة وأخوات، وكلنا مثقفون ومتدينون، وعلى استطاعتنا بارّون بعون الله.

أتعبني شعور الخوف الدائم من أكون عاقّة لوالدتي، وذلك لحساسيتها الزائدة، فهي تترجم كل تصرف وكلمة على أنها إهانة أو محاسبة أو تضجّر، ودائماً تلمّح أننا لسنا ببارّين، وأنها ليست راضيةً بشكل تام على تصرفاتنا.

أبسط المواقف والكلمات والتي لا تحمل معنى خبيثاً وبكل تأكيد، تبكيها وتدخلها في جو من المعاتبة والتعامل الرسمي، مهما تكررت محاولات إصلاح الموقف، ولأيام أحياناً.

تملأ حياتنا الظروف والهموم والضغوط، وأحياناً أشعر أن التعامل مع أمي -أو حتى الزيارة لها أو الاتصال بها- أمر له ثقل على قلبي، لأن أي جملة أو موقف قد يغيّر الأمور نحو تحسسها، وعدّها للمواقف، إضافةً إلى أنها لا تنسى تلك المواقف، حيث إنه من الممكن أن تعاتبنا على موقف حصل قبل 20 سنة.

أخاف أن يعاقبني الله إن غضبت أو تحسست من موقف فعلته، أو شيء قلته، لكنها -وحسب تقديري وتقدير إخوتي للمواقف- تبالغ في ردّات أفعالها، ودائماً ما يكون مفهومها للمواقف سلبياً في البداية، حتى نصرف الساعات في تبرير كلامنا ومواقفنا.

هل سيحاسبني الله أو يعاقبني في الدنيا نتيجة حساسيتها الزائدة، والتي غالباً غير مبررة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نون حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولاً: أود أن أعرب عن تقديري لما تبذلينه من جهد في بر والدتك، والحفاظ على العلاقة معها، رغم التحديات التي توجهينها.

التعامل مع الأهل ذوي الطباع الحساسة يمكن أن يكون تحديًا كبيرًا، ولكن ما يظهر جليًا من كلماتك هو النية الصادقة والرغبة في البر والإحسان.

في الإسلام، يُعتبر بر الوالدين من الأمور ذات الأهمية القصوى، وهناك تأكيد كبير على العلاقة بين الوالدين والأبناء، الله سبحانه وتعالى يعلم نياتنا ويعلم السرائر، والأمر المهم هو الاجتهاد في البر والصبر على الأذى، ومحاولة التفهم والتعاطف مع الوالدين.

قال تعالى: ﴿وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَ بَنِیۤ إِسۡرَ اءِیلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَ ا⁠لِدَیۡنِ إِحۡسَانࣰا وَذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَقُولُوا۟ لِلنَّاسِ حُسۡنࣰا وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّیۡتُمۡ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ﴾ [البقرة ٨٣].

من المهم التفكير في أن الحساسية الزائدة عند الوالدة قد تكون نتيجة تجارب شخصية، أو تكوين نفسي، أو حتى قد تكون مرتبطة بمسائل صحية أو نفسية لا ندركها، لذا: ينبغي محاولة فهم الأسباب الكامنة وراء هذه الحساسية الزائدة، بدلاً من التركيز على السلوك نفسه.

إليك بعض النصائح التي قد تساعد في التعامل مع الوضع:

1. الصبر والتحمل في التعامل مع الوالدين، يُعد من القيم الأساسية في البر والإحسان، أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلُم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: (لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهم المَلّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك). وكما ترين فإن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم أرشد هذا الصحابي إلى الصبر على المتاعب والمصاعب التي يلاقيها من أهله وعشيرته.

2. التحدث مع والدتك بطريقة هادئة ومحببة والتعبير عن كيفية تأثير تصرفاتها على مشاعرك قد يساعد في بعض الأحيان، من المهم أن تفهم أنك تتأذين نفسياً كما تتأذى هي، لكن حاولي إيصال هذه الرسالة بطريقة لطيفة.

3. قد يكون من المفيد إيجاد طرق جديدة للتواصل مع والدتك بما يخفف من تحسسها

4. في بعض الأحيان، قد يساعد الاستعانة بشخص موثوق به ومقبول لدى الأم في تقريب وجهات النظر وتخفيف التوتر.

5. قد يكون من المفيد التحدث إلى مستشار أسري تثقين فيه للحصول على نصائح مخصصة لحالتك.

6. الدعاء لوالدتك ولك بأن يصلح الله أحوالكم من الأسباب المشروعة، وفي الآية: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِی سَیَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ﴾ [غافر ٦٠].

في نهاية المطاف، إن الله غفور رحيم ويعلم جهدك في البر والتعامل الحسن مع والدتك، وهو أعلم بالنيات وما تخفي الصدور.

تذكري أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأنت تبذلين قصارى جهدك في ظل الظروف المتاحة، وأن البر بالوالدة يعلمه الله تعالى، حتى لو كانت هي متحاملة عليك، فإن الله يعلم برك بها ولن يؤاخذك على ما تدعيه أمك بأنه تقصير، طالما أنه ليس كذلك في الواقع.

نسأل الله لك العون والسداد وأن يجعل أمورك كلها خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً